وقایع بعد از قیام حسینی علیه السلامالوقايع المتأخرة بعد قتل الحسين عليه السلام ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 247 : -
الوقايع المتأخرة بعد قتل الحسين واصحابه ( ع ) قال هشام عن ابي مخنف عن عبدالملك بن نوفل قال حدثني أبي قال لما قتل الحسين عليه السلام قام ابن الزبر في أهل مكة وعظم مقتله وعاب على أهل الكوفة خاصة ولام أهل العراق عامة
فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد ( ص ) ان أهل العراق غدر فجر الا قليلا وان اهل الكوفة شرار اهل العراق وأنهم دعوا حسينا لينصروه ويولوه عليهم فلما قدم عليهم ثاروا إليه فقالوا له اما ان تضع يدك في ايدينا فنبعث
بك إلى ابن زياد بن سمية سلما فيمضي فيك حكمه واما ان تحارب فرأى والله انه هو واصحابه قليل في كثير وان كان الله عزوجل لم يطلع على الغيب احدا انه مقتول ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة فرحم الله حسينا واخزى قاتل
حسين لعمري لقد كان من خلافهم اياه وعصيانهم ما كان في مثل واعظ وناه عنهم ولكنه ما حم نازل وإذا اراد الله امرا لن يدفع افبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدا لا ولا نراهم لذلك اهلا اما والله لقد قتلوه طويلا
بالليل قيامه كثيرا في النهار صيامه احق بماهم فيه منهم واولى به في الدين والفضل اما والله ما كان يبدل بالقرآن الغناء ولا بالبكاء من خشية الله الحدا
- ص 248 -
ولا بالصيام شرب الحرام ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد يعرض بيزيد فسوف يلقون غيا فثار إليه أصحابه فقالوا له ايها الرجل أظهر بيعتك فانه لم يبق أحد اذهلك حسين ينازعك هذا الامر وقد كان يبايع الناس سرا ويظهر
أنه عائذ بالبيت فقال لهم لا تعجلوا وعمرو بن سعيد بن العاص يومئذ عامل مكة . وقد كان أشد شئ عليه وعلى اصحابه وكان مع شدته عليهم يدارى ويرفق فلما استقر عند يزيد بن معاوية ما قد جمع ابن الزبير من الجموع بمكة أعطى الله عهدا
ليوثقنه في سلسلة فبعث بسلسلة من فضة فمر بها البريد على مروان بن الحكم بالمدينة فأخبر خبر ما قدم له وبالسلسلة التي معه فقال مروان .
خذها فليست للعزيز بخطة * وفيها مقال لامرى متضعف
ثم مضى من عنده حتى قدم على ابن الزبير فأتى ابن الزبير فأخبره بممر البريد على مروان وتمثل مروان بهذا البيت فقال ابن الزبير لا والله لا أكون أنا ذلك المتضعف ورد ذلك البريد ردا رقيقا وعلا أمر ابن الزبير بمكة وكاتبه أهل المدينة وقال الناس أما اذهلك الحسين عليه السلام فليس أحد ينازع ابن الزبير .
تلاقي القوم بعد قتل الحسين عليه السلام وأصحابه بالتلاوم والندم ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 249 : -
قال هشام بن محمد حدثنا أبو مخنف قال حدثني يوسف ابن يزيد عن عبدالله بن عوف بن الاحمر الازدي قال لما قتل الحسين بن علي ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة فدخل الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم ورأت أنها قد أخطأت خطأ كبيرا بدعائهم الحسين إلى
- ص 249 -
النصرة وتركهم اجابته ومقتله إلى جانبهم لم ينصره ورأوا أنه لا يغسل عارهم والاثم عنهم في مقتله الا بقتل من قتله أو القتل فيه ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة إلى سليمان بن صرد الخزاعى وكانت له صحبة مع النبي صلى الله
عليه وآله والى المسيب بن نجبة الفزارى وكان من أصحاب علي وخيارهم والى عبدالله بن سعد بن نفيل الازدي والى عبدالله بن وال التيمى والى رفاعة بن شداد البجلى . ثم أن هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صرد وكانوا من خيار
أصحاب على ومعهم اناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم قال فلما اجتمعوا إلى منزل سليمان بن صرد بدأ المسيب بن نجبة القوم بالكلام فتكلم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ثم قال أما بعد فانا قد ابتلينا بطول العمر
والتعرض لانواع الفتن فترغب إلى ربنا ألا تجعلنا ممن يقول له غدا اولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فان امير المؤمنين قال العمر الذي اعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة وليس فينا رجل الا وقد بلغه وقد كنا مغرمين بتزكية
أنفسنا وتقريظ شيعتنا حتى بلا الله أخيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا صلى الله عليه وآله وقد بلغتنا قبل ذلك كتبه وقدمت علينا رسله وأعذر إلينا يسألنا نصره عودا وبدءا وعلانية وسرا فبخلنا عنه بانفسنا حتى قتل إلى جانبنا
لا نحن نصرناه بأديدينا ولا جادلنا عنه بألسنتنا ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا فما عذرنا إلى ربنا وعند لقاء نبينا صلى الله عليه وآله وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله لا والله لا عذر دون ان تقتلوا
- ص 250 -
قاتله والموالين عليه أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن أيها القوم ولوا عليكم رجلا منكم فانه لا بد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها أقول قولى هذا واستغفر الله لي ولكم قال فبدر القوم
رفاعة بن شداد بعد المسيب الكلام فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله . ثم قال اما بعد فان الله قد هداك لاصوب القول ودعوت إلى ارشد الامور بدأت بحمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله ودعوت
إلى جهاد الفاسقين والى التوبة من الذنب العظيم فمسموع منك مستجاب لك مقبول قولك قلت ولو أمركم رجلا منكم تفزعون إليه وتحفون برأيته وذلك رأى قد رأينا مثل الذي رأيت فان تكن انت ذلك الرجل تكن عندنا مرضيا وفينا متنصحا وفي
جماعتنا محبا . وان رأيت ورآى أصحابنا ذلك ولينا هذا الامر شيخ الشيعة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد المحمود في بأسه ودينه والموثوق بحزمه أقول قولى هذا واستغفر الله لي ولكم قال ثم تكلم
عبدالله بن وال وعبد الله بن سعد فحمدا ربهما وأثنيا عليه وتكلما بنحو من كلام رفاعة بن شداد فذكرا المسيب بن جبة بفضله وذكرا سليمان بن صرد بسابقته ورضاهما بتوليته فقال المسيب بن نجبة أصبتم ووفقتم وأنا أرى مثل الذي رأيتم فولوا امركم سليمان بن صرد .
قال أبو مخنف فحدثت سليمان بن أبي راشد بهذا الحديث فقال حدثني حميد بن مسلم قال والله اني لشاهد بهذا اليوم يوم ولوا سليمان بن صرد وانا يومئذ لاكثر من مأة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في
- ص 251 -
داره قال فتكلم سليمان بن صرد فشدد وما زال داره قال فتكلم سليمان بن صرد فشدد وما زال يردد ذلك القول في كل جمعة حتى حفظته بدأ فقال أثنى على الله خيرا وأحمد آلاءه وبلاءه وأشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسوله . أما بعد فاني والله
لخائف الا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة وعظمت فيه الرزية وشمل فيه الجور اولى الفضل من هذه الشيعة لما هو خير انا كنا نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا ونمنيهم النصر ونحثهم على القوم فلما قدموا ونينا وعجزنا وادهنا
وتربصنا وانتظرنا ما يكون حتى قتل فينا ولدينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه اتخذه الفاسقون غرضا لنبل ودرية للرماح حتى اقصدوه وعدوا عليه فسلبوه الا انهضوا فقد سخط ربكم
ولا ترجعوا إلى الحلائل والابناء حنى يرضى الله والله ما أظنه رضيا دون ان تناجزوا من قتله أو تبيروا ألا لا تهابوا الموت فوالله ما هابه امرء قط الاذل كونوا كالاولى من بني اسرائيل إذ قال لهم نبيهم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى
بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فما فعل القوم جثوا على الركب والله ومدوا الاعناق ورضوا بالقضاء حتى حين علموا أنه لا ينجيهم من عظيم الذنب الا الصبر على القتل فكيف بكم لو قد دعيتم إلى مثل ما دعى القوم إليه أشحذوا
السيوف وركبوا الا سنة وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل حتى تدعوا حين تدعوا وتستنفروا قال فقام خالد بن سعد بن نفيل . فقال أما أنا فوالله لو أعلم أن قتلى نفسي يخرجني من ذنبي ويرضى
- ص 252 -
عني ربي لقتلتها ولكن هذا أمر به قوم كانوا قبلنا ونهينا عنه فاشهد الله ومن حضر من المسلمين أن كلما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي اقاتل به عدوى صدقة على المسلمين اقويهم به على قتال القاسطين .
وقام أبو المعتمر حنش بن ربيعة الكنانى فقال وأنا أشهدكم على مثل ذلك فقال سليمان بن صرد حسبكم من أراد من هذا شيئا فليأت بماله عبدالله بن وال التيمى تيم بكر بن وائل فإذا اجتمع عنده كلما تريدون اخراجه من اموالكم جهزنا به ذوى الخلة
والمسكنة من أشياعكم قال أبو مخنف لوط بن يحيى عن سليمان بن ابى راشد قال فحدثنا حميد بن مسلم الازدي أن سليمان بن صرد قال لخالد بن سعد بن نفيل حين قال له والله لو علمت أن قتلى نفسي يخرجني من ذنبي ويرضى عنى ربى لقتلتها ولكن
هذا امر به قوم غيرنا كانوا من قبلنا ونهينا عنه قال أخوكم هذا غدا فريس اول الاسنة قال فلما تصدق بماله على المسلمين قال له أبشر بجزيل ثواب الله الذين لانفسهم يمهدون . قال أبو مخنف حدثنى الحصين بن يزيد بن عبدالله بن سعد بن نفيل قال
أخذت كتابا كان سليمان بن صرد كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن فقرأته زمان ولى سليمان . قال فلما قرأته اعجبني فتعلمته فما نسيته كتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن صرد ألى سعد بن حذيفة بن اليمان ومن قبله من
المؤمنين سلام عليكم . أما بعد فان الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفا وأقبل منها ما كان منكرا وأصبحت قد تشنأت إلى ذوى الالباب وأزمع بالترحال
- ص 253 -
منها عباد الله الاخيار وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله لا يفنى ان اولياء من اخوانكم وشيعة آل نبيكم نظروا لانفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دعى فأجاب ودعا فلم يجب وأراد الرجعة فحبس وسأل الامان فمنع
وترك الناس فلم يتركوه وعدوا عليه فقتلوه . ثم سلبوه وجردوه ظلما وعدوانا وغرة بالله وجهلا وبعبر الله ما يعملون والى الله ما يرجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فلما نظروا اخوانكم وتدبروا عواقب ما استقبلوا رأوا ان قد خطأوابخذلان
الزكي الطيب واسلامه وترك مواساته والنصر له خطئا كبيرا ليس لهم منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه أو قتلهم حتى تفنى على ذلك ارواحهم ، فقد جدوا اخوانكم فجدوا وأعدوا واستعدوا ، وقد ضربنا لاخواننا أجلا يوافوننا إليه وموطنا يلقوننا
فيه فأما الاجل فغرة شهر ربيع الاخر سنة 65 . وأما الموطن الذي يلقوننا فيه فالنخيلة انتم الذين لم تزالوا لنا شيعة واخوانا والا وقد رأينا ان ندعوكم إلى هذا الامر الذي اراد الله به اخوانكم فيما يزعمون ويظهرون لنا أنهم يتوبون وأنكم جدراء
بتطلاب الفضل والتماس الاجر والتوبة إلى ربكم من الذنب ولو كان في ذلك حز الرقاب وقتل الاولاد واستيفاء الاموال وهلاك العشائر ما ضر أهل عذراء الذين قتلوا الا يكونوا اليوم أحياء وهم عند ربهم يرزقون . شهداء قد لقوا الله صابرين
محتسبين ، فأثابهم ثواب الصابرين يعني حجرا واصحابه ، وما ضر اخوانكم المقتلين صبرا ، المصلبين
- ص 254 -
ظلما ، والممثول بهم المعتدى عليهم الا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم قد خير لهم فلقوا ربهم ووافاهم الله ان شاء الله أجرهم ، فاصبروا رحمكم الله على البأساء والضراء وحين الباس ، وتوبوا إلى الله عن قريب . فوالله انكم لا حرياء الا يكون أحد من
أخوانكم صبر على شئ من البلاء ارادة ثوابه الا صبرتم التماس الاجر فيه على مثله ، ولا يطلب رضاء الله طالب بشئ من الاشياء ولو أنه القتل الا طلبتم رضاء الله به . ان التقوى افضل الزاد في الدنيا وما سوى ذلك يبور ويفنى ، فلتعزف عنها
أنفسكم ولتكن رغبتكم في دار عافيتكم وجهاد عدوالله وعدوكم وعدو اهل بيت نبيكم حتى تقدموا على الله تائبين راغبين ، أحيانا الله واياكم حياة طيبة ، وأجارنا واياكم من النار ، وجعل منايانا قتلا في سبيله على يدى أبغض خلقه إليه واشدهم عداوة له ،
انه القدير على ما يشاء ، والصانع لاوليائه في الاشياء والسلام عليكم قال : كتب ابن صرد الكتاب وبعث به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان مع عبدالله بن مالك الطائي ، فبعث به سعد حين قرأ كتابه إلى من كان بالمدائن من الشيعة ، وكان بها أقوام
من أهل الكوفة قد اعجبتهم فأوطنوها وهم يقدمون الكوفة في كل حين عطاء ورزق ، فيأخذون حقوقهم وينصرفون إلى أوطانهم ، فقرأ عليهم سعد كتاب سليمان بن صرد ثم انه حمدالله وأثنى عليه . ثم قال : أما بعد فأنكم قد كنتم مجتمعين مزمعين
على نصر الحسين وقتال عدوه فلم يفجاءكم أول من قتله ، والله مثيبكم على حسن النية وما اجمعتم عليه من النصر أحسن المثوبة ، وقد بعث اليكم اخوانكم
- ص 255 -
يستنجدونكم ويستمدونكم ويدعونكم إلى الحق والى ما ترجون لكم به عند الله أفضل الاجر والحظ ، فماذا ترون ؟ وماذا تقولون ؟ فقال القوم باجمعهم نجيبهم ونقاتل معهم ، ورأينا في ذلك مثل رأيهم فقام عبدالله بن حنظل الطائي ثم الحز مرى
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : اما بعد فانا قد أجبنا اخواننا إلى ما دعونا إليه ، وقد رأينا مثل الذي قد رأوا ، فسرحني إليهم في الخيل ، فقال له : رويد الا تعجل استعدوا للعدو وأعدوا له الحرب ، ثم نسير وتسيرون . وكتب سعد بن حذيفة بن اليمان
إلى سليمان بن صرد مع عبدالله بن مالك الطائي : بسم الله الرحمن الرحيم : إلى سليمان بن صرد من سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين سلام عليكم . اما بعد فقد قرأنا كتابك وفهمنا الذي دعوتنا إليه من الامر الذي عليه ، رأى الملاء من اخوانك
فقد هديت لحظك ويسرت لرشدك ونحن جادون مجدون معدون مسرحون ملجمون ، ننظر الامر ونستمع الداعي فإذا جاء الصريخ اقبلنا ولم نعرج ان شاء الله والسلام . فلما قرأ كتابه سليمان بن صرد قرأه على اصحابه فسروا بذلك قال : وكتب
إلى المثنى بن محربة العبدى نسخة الكتاب الذي كان كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان وبعث به مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد ، فكتب إليه المثنى ، : اما بعد فقد قرأت كتابك وأقرأته اخوانك ، فحمدوا رأيك ، واستجابوا لك ،
فنحن موافوك ان شاء الله للاجل الذي ضربت ، وفي الموطن الذي ذكرت ، والسلام عليك ،
- ص 256 -
وكتب في اسفل كتابه .
تبصر كأني قد أتيتك معلما * على اتلع الهادى أجش هزيم
طويل القرى نهد الشواء مقلص * ملح على فأس اللجام أزوم
بكل فتى لا يملاء الروح نحره * محس لعض الحرب غير سؤوم
أخي ثقة ينوى الاله بسعيه * ضروب بنصل السيف غير أثيم
قال أبو مخنف لوط بن يحيى عن الحارث بن حصيرة عن عبدالله بن سعد بن نفيل قال : كان أول ما ابتدعوا به من أمرهم سنة 61 وهي السنة التي فيها الحسين رضي الله عنه . فلم يزل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ودعاء الناس في
السر من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين فكان يجيبهم القوم بعد القوم والنفر بعد النفرء فلم يزالوا كذلك وفي ذلك حتى مات يزيد بن معاوية يوم الخميس لاربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الاول سنة 64 وكان بين قتل الحسين وهلاك
يزيد بن معاوية ثلاث سنين وشهران وأربعة أيام ، وهلك يزيد وأمير العراق عبيدالله بن زياد وهو بالبصرة وخليفة بالكوفة عمرو بن حريث المخزومى ، فجاء إلى سليمان أصحابه من الشيعة فقالوا : قد مات هذا الطاغية ، والامر الان ضعيف ،
فان شئت وثبنا على عمرو بن حريث فاخرجناه من القصر ، ثم أظهرنا الطلب بدم الحسين وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى اهل هذا البيت المستأثر عليهم المدفوعين عن حقهم ، فقالوا في ذلك فأكثروا . فقال لهم سليمان بن صرد : رويدا ، لا تعجلوا اني قد نظرت فيما
- ص 257 -
تذكرون ، فرأيت أن قتلة الحسين هم اشراف اهل الكوفة وفرسان العرب ، وهم المطالبون بدمه ، ومتى علموا ما تريدون وعلموا انهم المطلوبون كانوا أشد عليكم ، ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا لم يدركوا ثارهم ولم يشفوا
أنفسهم ولم ينكوا في عدوهم وكانوا لهم جزرا ، ولكن بثوا دعاتكم في المصر فادعوا إلى أمركم هذا شيعتكم وغير شيعتكم فاني أرجو أن يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه ففعلوا وخرجت طائفة
منهم دعاة يدعون الناس فاستجاب لهم ناس كثير بعد يزيد بن معاوية اضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك .
قال هشام : قال أبو مخنف وحدثنا الحصين بن يزيد عن رجل من مزينة قال ما رأيت من هذه الامة أحدا كان أبلغ من عبيدالله بن عبدالله المرى في منطق ولاعظة وكان من دعاة أهل المصر زمان سليمان بن صرد وكان إذا اجتمعت إليه جماعة من
الناس فوعظهم بدأ بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول : أما بعد فان الله اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله على خلقه بنبوته وخصه بالفضل كله وأعزكم باتباعه وأكرمكم بالايمان به فحقن به دمائكم
المسفوكة وآمن به سبلكم المخوفة وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون فهل خلق ربكم في الاولين والآخرين أعظم حقا على هذه الامة من نبيها وهل ذرية أحد من النبيين والمرسلين أو غيرهم أعظم حقا على هذه الامة من ذرية رسولها ؟
- ص 258 -
لا والله ما كان ولا يكون لله أنتم الم تروا ويبلغكم ما اجترم إلى ابن بنت نبيكم أما رأيتم إلى انتهاك القوم حرمته واستضعافهم وحدته وترميلهم اياه بالدم وتجرار هموه على الارض لم يرقبوا فيه ربهم ولا قرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذوه
للنبل غرضا وغادروه للضباع جزرا فلله عينا من رأى مثله ولله حسين بن علي ماذا غادروا به ذا صدق وصبرو ذا أمانة ونجدة حزم ابن أول المسلمين اسلاما وابن بنت رسول رب العالمين . قلت حماته وكثرت عداته حوله فقتله عدوه وخذله
وليه فويل للقاتل وملامة للخاذل ان الله لم يجعل لقاتله حجة ولا لخادله معذرة الا أن يناصح لله في التوبة فيجاهد القاتلين وينابذ القاسطين فعسى الله عند ذلك أن يقبل التوبة ويقيل العثرة انا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل بيته
والى جهاد المحلين والمارقين . فان قتلنا فما عند الله خير للابرار وان ظهرنا رددنا هذا الامر إلى أهل بيت نبينا قال وكان يعيد هذا الكلام علينا في كل يوم حتى حفظه عامتنا قال ووثب الناس على عمرو بن حريث عند هلاك يزيد بن معاوية
فأخرجوه من القصر واصطلحوا على عامر بن مسعود ابن أمية بن خلف الجمحى وهو دحروجة الجعل الذي قال له ابن همام السلولى . أشد يديك بزيد ان ظفرت به * واشف الارامل من دحروجة الجعل وكان كأنه ايهام قصرا وزيد مولاه وخازنه
فكان يصلى بالناس و بايع لابن الزبير ولم يزل أصحاب سليمان بن صرد يدعون شيعتهم وغيرهم من أهل مصرهم حتى كثر تبعهم وكان الناس إلى اتباعهم بعد هلاك يزيد بن معاوية أسرع منهم قبل ذلك فما مضت ستة أشهر من هلاك يزيد بن معاوية
قدوم المختار بن أبي عبيدة إلى الكوفة ... سليمان بن صرد وأصحابه يريدون أن يثبوا بالكوفة ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 259 : -
قدم المختار بن أبي عبيدة الكوفة فقدم في النصف من شهر رمضان يوم الجمعة قال وقدم عبدالله بن يزيد الانصاري ثم الخطمى من قبل عبدالله بن الزبير أميرا على الكوفة على حربها وثغرها وقدم معه من قبل ابن الزبير ابراهيم بن محمد بن
طلحة بن عبيدالله الاعرج أميرا على خراج الكوفة وكان قدوم عبدالله بن يزيد الانصاري ثم الخطمى يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان سنة 64 قال وقدم المختار قبل عبيدالله بن يزيد وابراهيم بن محمد بثمانية ايام ودخل المختار الكوفة وقد
اجتمعت رؤوس الشيعة ووجوهها مع سليمان بن صرد فليس يعدلونه به فكان المختار إذا دعاهم إلى نفسه والى الطلب بدم الحسين قالت له الشيعة هذا سليمان بن صرد شيخ الشيعة قد انقادوا له واجتمعوا عليه فأخذ يقول للشيعة اني قد جئتكم من
قبل المهدى محمد بن علي بن الحنفية مؤتمنا مأمونا منتجبا ووزيرا فوالله ما زال بالشيعة حتى انشعبت إليه طائفة تعظمه وتجيبه وتنتظر أمره وعظم الشيعة مع سليمان بن صرد فسليمان أثقل خلق الله على المختار وكان المختار يقول لاصحابه
أتدرون ما يريد هذا يعني سليمان بن صرد انما يريد أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم ليس له بصر بالحروب ولا له علم بها قال وأتى يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم الشيباني عبدالله بن يزيد الانصاري . فقال ان الناس يتحدثون أن هذه الشيعة خارجة
عليك مع ابن صرد ومنهم طائفة أخرى مع المختار وهي أقل الطائفتين عددا والمختار فيما يذكرون الناس لا يريد أن يخرج حتى ينظر إلى ما يصير إليه أمر سليمان بن صرد وقد اجتمع له أمره وهو خارج من أيامه هذه
- ص 260 -
فان رأيت أن تجمع الشرط والمقاتلة ووجوه الناس ثم تنهض إليهم وننهض معك فإذا دفعت إلى منزله دعوته فان اجابك حسبه وان قاتلك قاتلته وقد جمعت له وعبأت وهو مغترفاني أخاف عليك ان هو بدأك وأقررته حتى يخرج عليك أن تشتد شوكته
وان يتفاقم أمره فقال عبدالله بن يزيد الله بيننا وبينهم ان هم قاتلونا قتلناهم وان تركونا لم نطلبهم حدثني ما يريدون الناس قال يذكر الناس أنهم يطلبون بدم الحسين بن علي قال فأنا قتلت الحسين لعن الله قاتل الحسين . قال وكان سليمان بن صرد
وأصحابه يريدون أن يثبوا بالكوفة فخرج عبدالله بن يزيد حتى صعد المنبر ثم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فقد بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر أرادوا أن يخرجوا علينا فسألت عن الذي دعاهم إلى ذلك ما هو فقيل لي زعموا
أنهم يطلبون بدم الحسين ابن علي فرحم الله هؤلاء القوم قد والله دللت على أماكنهم وأمرت بأخذهم وقيل ابدأهم قبل أن يبدؤك فأبيت ذلك فقلت ان قاتلوني قاتلتهم وان تركوني لم أطلبهم وعلام يقاتلوني فوالله ما أنا قتلت حسينا ولا أنا ممن قاتله ولقد
أصبت بمقتله رحمة الله عليه . فان هؤلاء القوم آمنون فليخرجوا ولينتشروا ظاهرين ليسيروا إلى من قاتل الحسين فقد أقبل إليهم وأنا لهم على قاتله ظهير هذا ابن زياد قاتل الحسين وقاتل خياركم وأماثلكم قد توجه اليكم عهد العاهد به على مسيرة ليلة
من جسر منبج فقتاله والاستعداد له أولى وأرشد من أن تجعلوا بأسكم بينكم فيقتل بعضكم بعضا ويسفك بعضهم دماء بعض فيلقاكم ذلك العدو غدا وقد رققتم وتلك والله أمنية عدوكم وانه قد أقبل اليكم أعدى خلق الله لكم من ولي عليكم
- ص 261 -
هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين هو الذي قتلكم ومن قبله أوتيتم والذي قتل من تثأرون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم وشوكتكم واجعلوها به ولا تجعلوها بأنفسكم اني لم الكم نصحا جمع الله لنا كلمتنا وأصلح لنا ائمتنا .
قال فقال ابراهيم بن محمد بن طلحة أيها الناس لا يغرنكم من السيف والغشم مقالة هذا المداهن الموادع والله لئن خرج علينا خارج لنقتلنه ولئن استيقنا أن قوما يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده ولنأخذن الحميم بالحميم
والعريف بما في عرافته حتى يدينوا للحق ويذلوا للطاعة فوثب إليه المسيب ابن نجبة فقطع عليه منطقه . ثم قال يا ابن الناكثين أنت تهددنا بسيفك وغشمك أنت والله أذل من ذلك انا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك والله اني لارجو الا
يخرجك الله من بين ظهراني أهل هذا المصر حتى يثلثوا بك جدك وأباك وأما أنت أيها الامير فقد قلت قولا سديدا واني والله لاظن من يريد هذا الامر مستنصحا لك وقابلا قولك . فقال ابراهيم بنمحمد بن طلحة أي والله ليقتلن وقد أدهن ثم اعلن فقام
إليه عبدالله بن وال التيمي فقال ما اعتراضك يا أخا بني تيم بن مرة فيما بيننا وبين أميرنا فوالله ما أنت علينا بامير ولا لك علينا سلطان انما أنت أمير الجزية فأقبل على خراجك فلعمر الله لئن كنت مفسدا ما أفسد أمر هذه الامة الا والدك وجدك
الناكثان فكانت بهما اليدان وكانت عليهما دائرة السوء . قال ثم أقبل مسيب بن نجبة وعبد الله بن وال على عبدالله بن يزيد
- ص 262 -
فقالا أما رأيك ايها الامير فوالله انا لا نرجو أن تكون به عند العامة محمودا وان تكون عند الذي عنيت واعتريت مقبولا فغضب أناس من عمال ابراهيم بن محمد بن طلحة وجماعة ممن كان معه فتشاتموا دونه فشتمهم الناس وخصموهم . فلما
سمع ذلك عبدالله بن يزيد نزل ودخل وانطلق ابراهيم بن محمد وهو يقول قد داهن عبدالله بن يزيد أهل الكوفة والله لاكتبن بذلك إلى عبدالله بن الزبير فأتى شبث بن ربعى التميمي عبدالله بن يزيد فأخبره بذلك فركب به وبيزيد بن الحارث بن رويم
حتى دخل على ابراهيم بن محمد بن طلحة فحلف له بالله ما أردت بالقول الذي سمعت الا العافية وصلاح ذات البين انما أتاني يزيد بن الحارث بكذا وكذا . فرأيت أن أقوم فيهم بما سمعت ارادة ألا تختلف الكلمة ولا تتفرق الالفة وألا تقع بأس
هؤلاء القوم بينهم فعذره وقبل منه قال ثم ان اصحاب سليمان بن صرد خرجوا ينشرون السلاح ظاهرين ويتجهزون يجاهزون بجهازهم وما يصلحهم .
حدثت عن هشام بن محمد الكلبي عن ابي مخنف لوط بن يحيى قال حدثني أبو المخارق الراسبي قال لما ركب ابن زياد من الخوارج بعد قتل أبي بلال ما ركب وقد كان قبل ذلك لا يكف عنهم ولا يستبقيهم غير أنه بعد قتل أبي بلال تجرد لاستئصالهم
وهلاكهم واجتمعت الخوارج حين ثار ابن الزبير بمكة وسار إليه أهل الشام فتذاكروا ما أتى إليهم . فقال لهم نافع بن الازرق ان الله قد أنزل عليكم الكتاب و
- ص 263 -
فرض عليكم فيه الجهاد واحتج عليكم بالبيان وقد جرد فيكم السيوف أهل الظلم وأولوا العدى والغشم وهذا من قد ثار بمكة فاخرجوا بنا نأت البيت ونلق هذا الرجل فان يكن على رأينا جاهدنا معه العدو وان يكن على غير رأينا دافعنا عن البيت ما
استطعنا ونظرنا بعد ذلك في أمورنا فخرجوا حتى قدموا على عبدالله بن الزبير فسر بمقدمهم ونبأهم أنه على رأيهم وأعطاهم الرضا من غير توقف ولا تفتيش فقاتلوا معه حتى مات يزيد بن معاوية وانصرف أهل الشام عن مكة . ثم ان القوم لقى
بعضهم بعضا فقالوا ان هذا الذي صنعتم أمس بغير رأى ولا صواب من الامر تقاتلون مع رجل لا تدرون لعله ليس على رأيكم انما كان أمس يقاتلكم هو وأبوه ينادى يال ثارات عثمان فاتوه وسلوه عن عثمان فان برئ منه كان وليكم وان أبى كان
عدوكم فمشوا نحوه فقالوا له أيها الانسان انا قد قاتلنا معك ولم نفتشك عن رأيك حتى نعلم أمنا أنت أم من عدونا خبرنا ما مقالتك في عثمان فنظر فإذا من حوله من أصحابه قليل فقال لهم انكم أتيتموني فصادفتموني حين أردت القيام ولكن روحوا
إلى العشية حتى أعلمكم من ذلك الذي تريدون فانصرفوا وبعث إلى أصحابه . فقال البسوا السلاح واحضروني بأجمعكم العشية ففعلوا وجاءت الخوارج وقد أقام أصحابه حوله سماطين عليهم السلاح وقامت جماعة منهم عظيمة على رأسه بأيديهم
الاعمدة . فقال ابن الازرق لاصحابه خشى الرجل غائلتكم وقد أزمع بخلافكم واستعد لكم ما ترون فدنا منه ابن الازرق فقال له يابن الزبير اتق الله ربك
- ص 264 -
وابغض الخائن المستأثر وعاد أول من سن الضلالة وأحدث الاحداث وخالف حكم الكتاب فانك ان تفعل ذلك ترض ربك وتنج من العذاب الاليم نفسك وان تركت ذلك فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم واذهبوا في الحياة الدنيا طيباتهم يا عبيدة ابن هلال صف لهذا الانسان ومن معه أمرنا الذي نحن عليه والذي ندعوا الناس إليه فتقدم عبيدة بن هلال .
قال هشام قال أبو مخنف وحدثني أبو علقمة الخثعمي عن أبي قبيصة بن عبدالرحمن القحافى من خثعم قال أنا والله شاهد عبيدة بن هلال إذ تقدم فتكلم فما سمعت ناطقا قط ينطق كان أبلغ ولا أصوب قولا منه وكان يرى رأى الخوارج قال وان كان
ليجمع القول الكثير في المعنى الخطير في اللفظ اليسير قال فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد . فان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى عبادة الله واخلاص الدين فدعا إلى ذلك فأجابه المسلمون فعمل فيهم بكتاب الله وأمره حتى قبضه الله
إليه صلى الله عليه واستخلف الناس أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر فكلاهما عملا بالكتاب وسنة رسول الله فالحمد لله رب العالمين . ثم ان الناس استخلفوا عثمان بن عفان فحمى الاحماء فآثر القربى واستعمل الفتى ورفع الدرة ووضع السوط ومزق
الكتاب وحقر المسلم وضرب منكري الجور وآوى طريد الرسول صلى الله عليه وضرب السابقين بالفضل وسيرهم وحرمهم ثم أخذ في ءالله الذي أفاءه عليهم فقسمه بين فساق قريش ومجان العرب فسارت إليه طائفة من المسلمين أخذ الله ميثاقهم على
طاعته لا يبالون في الله لومة لائم فقتلوه فنحن لهم أولياء ومن ابن عفان وأوليائه
- ص 265 -
برآء فما تقول أنت يا ابن الزبير قال فحمد الله ابن الزبير وأثنى عليه . ثم قال أما بعد فقد فهمت الذي ذكرتم وذكرت به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كما قلت صلى الله عليه وآله وفوق ما وصفته وفهمت ما ذكرت به أبا بكر وعمر وقد وفقت
وأصبت وقد فهمت الذي ذكرت به عثمان بن عفان رحمة الله عليه واني لا اعلم مكان أحد من خلق الله اليوم أعلم بابن عفان وأمره منى كنت معه حيث نقم القوم عليه واستعتبوه فلم يدع شيئا استعتبه القوم فيه الا أعتبهم منه ثم انهم رجعوا إليه بكتاب
له يزعمون أنه كتبه فيهم يأسر فيه بقتلهم . فقال لهم ما كتبته فان شئتم فهاتوا بينتكم فان لم تكن حلفت لكم فوالله ما جاؤه ببينة ولا استحلفوه ولوثبوا عليه فقتلوه وقد سمعت ما عبته به فليس كذلك بل هو لكل خير أهل وأنا أشهدكم ومن حضر أني ولى
لابن عفان في الدنيا والاخرة وولى أوليائه وعدو أعدائه قالوا فبرئ الله منك يا عدوالله . قال فبرئ الله منكم يا أعداء الله وتفرق القوم فأقبل نافع بن الازرق الحنظلي وعبد الله بن صفار السعدى من بني صريم بن مقاعس وعبد الله بن أباض أيضا
من بني صريم وحنظلة بن بيهس وبنو الماحوز عبدالله وعبيدالله والزبير من بني سليط بن يربوع حتى أتوا البصره وانطلق أبو طالوت من بني زمان بن مالك بن صعب بن علي بن مالك بن بكر بن وائل وعبد الله بن ثور أبو فديك من بني قيس بن
ثعلبة وعطية بن الاسود اليشكرى إلى اليمامة فوثبوا باليمامة مع أبي طالوت ثم أجمعوا بعد ذلك على نجدة ابن عامر الحنفي فأما البصريون منهم فانهم قدموا البصرة وهم
- ص 266 -
مجمعون على رأى أبي بلال .
قال هشام قال أبو مخنف لوط بن يحيى فحدثني أبو المثنى عن رجل من اخوانه من اهل البصرة انهم اجتمعوا فقالت العامة منهم لو خرج منا خارجون في سبيل الله فقد كانت منا فترة منذ خرج اصحابنا فيقوم علماؤنا في الارض فيكونون مصابيح
الناس يدعونهم إلى الدين ويخرج اهل الورع والاجتهاد فيلحقون بالرب فيكونون شهداء مرزوقين عند الله احياء فانتدب لها نافع بن الازرق فاعتقد على ثلاثمائة رجل فخرج . وذلك عند وثوب الناس بعبيد الله بن زياد وكسر الخوارج ابواب السجون
وخروجهم منها واشتغل الناس بقتال الازد وربيعة وبني تميم وقيس في دم مسعود بن عمرو فاغتنمت الخوارج اشتغال الناس بعضهم ببعض فتهيؤا واجتمعوا . فما خرج نافع ابن الازرق تبعوه واصطلح اهل البصرة على عبدالله بن الحارث بن نوفل بن
الحارث بن عبدالمطلب يصلى بهم و خرج ابن زياد إلى الشام واصطلحت الازد وبنو تميم . فتجرد الناس للخوارج فاتبعوهم واخافوهم حتى خرج من بقى منهم بالبصرة فلحق بابن الازرق الا قليلا منهم ممن لم يكن اراد الخروج يومه ذلك منهم
عبدالله بن صفار وعبد الله بن اباض ورجال معهما على رأيهما ونظر نافع بن الازرق ورأى ان ولاية من تخلف عنه لا تنبغي وان من تخلف عنه لا نجاة له . فقال لاصحابه ان الله قد أكرمكم بمخرجكم يصركم ما
- ص 267 -
عمي عنه غيركم الستم تعلمون انكم انما خرجتم تطلبون شريعته و امره فأمره لكم قائد والكتاب لكم امام وانما تتبعون سنته واثره فقالوا بلى فقال اليس حكمكم في وليكم حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وليه وحكمكم في عدوكم حكم النبي
صلى الله عليه وآله في عدوه وعدوكم اليوم عدوالله وعدو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما ان عدو النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ هو عدوالله وعدوكم اليوم فقالوا نعم . قال فقد انزل الله تبارك وتعالى ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم
من المشركين ) وقال ( لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) فقد حرم الله ولايتهم والمقام بين اظهرهم واجازة شهادتهم واكل ذبائحهم وقبول علم الدين عنهم ومناكحتهم ومواريثم وقد احتج الله علينا بمعرفة هذا وحق علينا ان نعلم هذا الدين الذين خرجنا
من عندهم ولا نكتم ما انزل الله والله عزوجل يقول : ( ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) فاستجاب له إلى هذا الرأى جميع اصحابه فكتب من عبيدالله نافع بن الازرق
إلى عبدالله بن صفار وعبد الله بن أباض ومن قبلهما من الناس سلام على أهل طاعة الله من عباد الله فان من الامر كيت وكيت فقص هذه القصة ووصف هذه الصقه ثم بعث بالكتاب اليهما فأتيابه فقرأه عبدالله بن صفار فأخذه فوضعه خلفه فلم يقرأ
على الناس خشية ان يتفرقوا ويختلفوا فقال له عبدالله بن اباض مالك لله ابوك أي شئ اصبت ان قد اصيب اخواننا اواسر
- ص 268 -
بعضهم فدفع الكتاب إليه فقرأه فقال قاتله الله أي رأى راى صدق نافع بن الازرق لو كان القوم مشركين كان اصوب الناس رأيا وحكما فيما يشير به وكانت سيرته كسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في المشركين ولكنه قد كذب وكذبنا فيما يقول ان
القوم كفار بالنعم والاحكام وهم برآء من الشرك ولا يحل لنا الا دماؤهم وما سوى ذلك من اموالهم فهو علينا حرام فقال ابن صفار برئ الله منك فقد قصرت وبرئ الله من ابن الازرق فقد غلا برئ الله منكما جميعا وقال الاخر فبرئ الله منك ومنه
وتفرق القوم واشتدت شوكة ابن الازرق وكثرت جموعه واقبل نحو البصرة حتى دنا من الجسر فبعث إليه عبدالله بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف في اهل البصرة
( قام هشام بن محمد الكلبي ) قال أبو مخنف قال النضر بن صالح كانت الشيعة تشتم المختار وتعتبه لما كان منه في امر الحسن بن علي يوم طعن في مظلم ساباط فحمل إلى ابيض المدائن حتى إذا كان زمن الحسين وبعث الحسين مسلم بن عقيل
إلى الكوفة نزل دار المختار وهي اليوم دار سلم بن المسيب فبايعه المختار بن ابي عبيد فيمن بايعه من اهل الكوفة وناصحه ودعا إليه من اطاعه حتى خرج ابن عقيل يوم خرج والمختار في قرية له بخطر نية تدعى لقفا فجاءه خبر ابن عقيل عند
الظهر انه قد ظهر بالكوفة فلم يكن خروجه يوم خرج على ميعاد من اصحابه انما خرج حين قيل له ان هاني بن عروة المرادى قد ضرب وحبس فاقبل المختار
- ص 269 -
في موال له حتى انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب وقد عقد عبيدالله بن زياد لعمرو بن حريث راية على جميع الناس وامره ان يقعد لهم في المسجد فلما كان المختار فوقف على باب الفيل مربه هاني بن ابي حية الوادعى فقال للمختار ما وقوفك ههنا
لا انت مع الناس ولا انت في رحلك قال اصبح رأيى مرتحا لعظم خطيئتكم فقال له اظنك والله قاتلا نفسك ثم دخل على عمرو بن حريث فاخبره بما قال للمختار وما رد عليه المختار
( قال أبو مخنف ) فأخبرني النضر بن صالح عن عبدالرحمن بن ابي عمير الثقفى قال كنت جالسا عند عمرو بن حريث حين بلغه هانئ بن ابي حية عن المختار هذه المقالة فقال لي قم إلى ابن عمك فاخبره ان صاحبه لا يدرى اين هو فلا يجعلن على
نفسه سبيلا فقمت لاتيه ووثب إليه زائدة بن قدامة بن مسعود فقال له يأتيك على أنه آمن فقال له عمرو بن حريث أما منى فهو آمن ان رقى إلى الامير عبيدالله بن زياد شئ من امره اقمت له بمحضره الشهادة وشفعت له احسن الشفاعة فقال له
زائدة بن قدامة ليكونن مع هذا ان شاء الله الاخير قال عبدالرحمن فخرجت وخرج معي زائدة إلى المختار فاخبرناه بمقالة ابن ابي حية وبمقالة عمرو بن حريث وناشدناه بالله الا يجعل على نفسه سبيلا فنزل إلى ابن حريث فسلم عليه وجلس تحت رايته
حتى أصبح وتذاكر الناس امر المختار وفعله فمشى عمارة بن عقبة بن ابي معيط بذلك إلى عبيدالله بن زياد فذكر له فلما ارتفع النهار فتح باب عبيدالله بن زياد واذن للناس فدخل المختار فيمن دخل فدعاه عبيدالله
- ص 270 -
فقال له انت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل فقال له لم افعل ولكني اقبلت ونزلت تحت راية عمرو بن حريث وبت معه واصبحت فقال له عمرو صدق اصلحك الله قال فرفع القضيب فاعترض به وجه المختار فحبط به عينه فشترها . وقال اولى
لك أما والله لولا شهادة عمرو لك لضربت عنقك انطلقوا به إلى السجن فانطلقوا به إلى السجن فحبس فيه . فلم يزل في السجن حتى قتل الحسين ثم ان المختار بعث إلى زائدة بن قدامة فسأله أن يسير إلى عبدالله بن عمر بالمدينة فيسأله ان يكتب
له إلى يزيد بن معاوية فيكتب إلى عبيدالله بن زياد بتخلية سبيله فركب زائدة إلى عبدالله بن عمر فقدم عليه فبلغه رسالة المختار وعلمت صفية اخت المختار بمحبس أخيها وهي تحت عبدالله ابن عمر فبكت وجزعت فلما رأى ذلك عبدالله بن عمر
كتب مع زائدة إلى يزيد بن معاوية . أما بعد فان عبيدالله بن زياد حبس المختار وهو صهرى وأنا أحب أن يعافى ويصلح من حاله فأن رأيت رحمنا الله وأياك أن تكتب إلى ابن زياد فتأمره بتخليته فعلت والسلام عليك فمضى زائدة على رواحله بالكتاب
حتى قدم به على يزيد بالشام فلما قرأه ضحك ثم قال يشفع أبو عبد الرحمن وأهل ذلك هو فكتب له إلى ابن زياد . أما بعد فخل سبيل المختار بن أبي عبيد حين تنظر في كتابي والسلام عليك فأقبل به زائدة حتى دفعه فدعا ابن زياد بالمختار فاخرجه
- ص 271 -
ثم قال له قد اجلتك ثلاثا فان أدركتك بالكوفة بعدها قد برئت منك الذمة فخرج إلى رحله وقال ابن زياد والله لقد اجترأ على زائدة حين يرحل إلى أمير المؤمنين حتى يأتيني بالكتاب في تخلية رجل قد كان من شأني أن أطيل حبسه على به فمر به
عمرو بن نافع أبو عثمان كاتب لابن زياد وهو يطلب وقال له النجاء بنفسك واذكرها بدا لي عندك قال : فخرج زائدة فتوارى يومه ذلك ثم انه خرج في أناس من قومه حتى اتى القعقاع بن شور الذهلى ومسلم بن عمرو الباهلى فاخذاله من ابن زياد الامان .
( قال هشام ) قال أبو مخنف ولما كان اليوم الثالث خرج المختار إلى الحجاز قال فحدثني الصقعب بن زهير عن ابن العرق مولى لثقيف قال أقبلت من الحجاز حتى إذا كنت بالبسيطة من وراء واقصة استقبلت المختار بن أبي عبيد خارجا يريد
الحجاز حين خلى سبيله ابن زياد فلما استقبلته رحبت به وعطفت إليه فلما رأيت شترعينه استرجعت له وقلت له بعد ما توجعت له ما بال عينك صرف الله عنك السوء قال خبط عينى ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما ترى فقلت له ماله
شلت انامله . فقال المختار قتلني الله ان لم اقطع انامله واباجله واعضاءه اربا اربا قال فعجبت لمقالته فقلت له ما علمك بذلك رحمك الله فقال لي ما اقول لك فاحفظه عني حتى ترى مصداقه . قال ثم طفق يسألني عن عبدالله بن الزبير فقلت له لجأ إلى
البيت فقال انما انا عائذ برب هذه البنية والناس يتحدثون انه يبايع سرا ولا اراه
- ص 272 -
الا لو قد اشتدت شوكته واستكثف من الرجال الا سيظهر الخلاف قال اجل لا شك في ذلك اما انه رجل العرب اليوم اما انه ان يخطط في اثرى ويسمع قولى اكفه امر الناس والا يفعل فوالله ما انا بدون احد من العرب يا ابن العرق ان الفتنة قد
ارعدت وابرقت وكأن قد انبعثت فوطئت في خطامها فإذا رأيت ذلك وسمعت به بمكان قد ظهرت فيه فقيل ان المختار في عصائبه من المسلمين يطلب بدم المظلوم الشهيد المقتول بالطف سيد المسلمين وابن سيدها الحسين بن علي فوربك لاقتلن بقتله
عدة القتلى التي قتلت على دم يحيى بن زكرياء ( ع ) قال فقلت له سبحان الله وهذه اعجوبة مع الاحدوثة الاولى فقال هو ما اقول لك فاحفظه عنى حتى ترى مصداقه ثم حرك راحلته فمضى ومضيت معه ساعة أدعو الله له بالسلامة وحسن الصحابة
قال ثم انه وقف فأقسم على لما انصرفت فأخذت بيده فودعته وسلمت عليه وانصرفت عنه فقلت في نفسي هذا الذي يذكر لي هذا الانسان يعنى المختار مما يزعم أنه كائن أشئ حدث به نفسه فوالله ما أطلع الله على الغيب أحدا وانما هو شئ يتمناه
فيرى أنه كائن فهو يوجب رأيه فهذا والله الرأى الشعاع فوالله ما كل ما يرى الانسان انه كائن يكون قال فوالله مامت حتى رأيت كل ما قاله قال فوالله لئن كان ذلك من علم القى إليه لقد أثبت له ولئن كان ذلك رأيا رآه وشيئا تمناه لقد كان .
( قال أبو مخنف ) فحدثني الصقعب بن زهير عن ابن العرق قال فحدثت بهذا الحديث للحجاج بن يوسف فضحك ثم قال لي انه كان
- ص 273 -
يقول أيضا : ودافعة ذيلها وداعية ويلها بدجلة أوجو لها فقلت له أترى هذا شيئا كان يخترعه وتخرصا يتخرصه أم هو من علم كان اوتيه فقال والله ما أدرى ما هذا الذي تسألني عنه ولكن لله دره أي رجل دينا ومسعر حرب ومقارع أعداء كان .
قدوم المختار إلى مكة ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 273 : -
( قال أبو مخنف ) فحدثني أبو يوسف الانصاري من بني الخزرج عن عباس بن سهل بن سعد قال قدم المختار علينا مكة فجاء إلى عبدالله ابن الزبير وأنا جالس عنده فسلم عليه فرد عليه ابن الزبير ورحب به وأوسع له ثم قال حدثني عن حال
الناس بالكوفة يا أبا اسحاق قال هم لسلطانهم في العلانية أولياء وفي السر أعداء فقال له ابن الزبير هذه صفة عبيد السوء إذا رأو أربابهم خدموهم وأطاعوهم فإذا غابوا عنهم شتموهم ولعنوهم قال فجلس معنا ساعة . ثم انه قال إلى ابن الزبير كانه
يساره فقال له ما تنتظر ابسط يدك أبايعك وأعطنا ما يرضينا وثب على الحجاز فان أهل الحجاز كلهم معك وقام المختار فخرج فلم يرحولا ثم اني بينا أنا جالس مع ابن الزبير إذ قال لي ابن الزبير متى عهدك بالمختار ابن ابي عبيد فقلت له مالي
به عهد منذر رأيته عندك عاما أول . فقال أين تراه ذهب لو كان بمكة لقد رؤى بها بعد فقلت له اني انصرفت إلى المدينة بعد إذ رأيته عندك بشهر أو شهرين فلبثت بالمدينة أشهرا ثم اني قدمت عليك فسمعت نفرا من أهل الطائف جاءوا معتمرين
يزعمون أنه قدم عليهم الطائف وهو يزعم أنه صاحب الغضب ومبير الجبارين قال قاتله الله لقد انبعث كذابا متكهنا ان الله ان يهلك الجبارين يكن المختار
- ص 274 -
أحدهم فوالله ما كان الاربث فراغنا من منطقنا حتى عن لنا في جانب المسجد . فقال ابن الزبير اذكر غائبا تره اين تظنه يهوى فقلت أظنه يريد البيت فأتى البيت فاستقبل الحجر ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم صلى ركعتين عند الحجر ثم جلس فما لبث
أن مر به رجال من معارفه من أهل الطائف وغيرهم من أهل الحجاز فجلسوا إليه واستبطأ ابن الزبير قيامه إليه فقال ما ترى شأنه لا يأتينا قلت لا أدرى وساعلم لك علمه . وقال ما شئت وكان ذلك أعجبه قال فقمت فمررت به كأني أريد الخروج من
المسجد ثم التفت إليه فأقبلت نحوه ثم سلمت عليه ثم جلست إليه وأخذت بيده فقلت له أين كنت وأين بلغت بعدى أبا لطائف كنت فقال لي كنت بالطائف وغير الطائف وعمس على أمره فملت إليه فناجيته فقلت له مثلك يغيب عن مثل ما قد اجتمع عليه
أهل الشرف وبيوتات العرب من قريش والانصار وثقيف لم يبق أهل بيت ولا قبيلة الا وقد جاء زعيمهم وعميدهم فبايع هذا الرجل فعجبا لك ولرأيك ألا تكون أتيته فبايعته وأخذت بحظك من هذا الامر . وقال لي وما رأيتني أتيته العام الماضي
فأشرت عليه بالرأى فطوى أمره دوني واني لما رأيته استغنى عني أحببت أن أريه أني مستغن عنه انه والله لهو أحوج إلى مني إليه فقلت له انك كلمته بالذي كلمته وهو ظاهر في المسجد وهذا الكلام لا ينبغي أن يكون الا والستور دونه مرخاة
والابواب دونه مغلقة القه الليلة ان شئت وأنا معك . فقال لي فاني فاعل إذا صلينا العتمة أتيناه اتعدنا الحجر قال فنهضت
- ص 275 -
من عنده فخرجت ثم رجعت إلى ابن الزبير فأخبرته بما كان من قولى وقوله فسر بذلك فلما صلينا العتمة التقينا بالحجر ثم خرجنا حتى أتينا منزل ابن الزبير فاستأذنا عليه فأذن لنا قلت أخليكما . فقالا جميعا لاسر دونك فجلست فإذا ابن الزبير قد
أخذ بيده فصافحه ورحب به فسأله عن حاله واهل بيته وسكتا جميعا غير طويل فقال له المختار وأنا أسمع بعد أن تبدأ في أول منطقه فحمد الله واثنى عليه ثم قال أنه لا خير في الاكثار من المنطق ولافى التقصير عن الحاجة اني قد جئتك لابايعك
على الا تقضى الامور دوني وعلى أن أكون في اول من تأذن له وإذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك فقال له ابن الزبير أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال وشر غلماني أنت مبايعه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مالى في هذا الامر من الحظ ما ليس لاقصى الحلق منك لا والله لا أبايعك ابدا الا على هذه الخصال .
قال عباس بن سهل فانتقمت أذن ابن الزبير فقلت له اشتر منه دينه حتى ترى من رأيك فقال له ابن الزبير فان لك ما سألته فبسط يده فبايعه ومكث معه حتى شاهد الحصار الاول حين قدم الحصين بن نمير السكوني مكة فقاتل في ذلك اليوم فكان من
أحسن الناس يومئذ بلاء وأعظمهم غناء . فلما قتل المنذر بن الزبير والمسور بن مخرمة ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري نادى المختار يا اهل الاسلام إلى إلى أنا ابن ابي عبيد بن مسعود وأنا ابن الكرار لا الفرار انا ابن المقدمين غير
المحجمين إلى يا أهل الحفاظ وحماة الاوتار فحمى الناس يومئذ وأبلى وقاتل قتالا حسنا .
- ص 276 -
ثم اقام مع ابن الزبير في ذلك الحصار حتى كان يوم أحرق البيت فانه احرق يوم السبت لثلاث مضين من شهر ربيع الاول سنة 64 فقاتل المختار يومئذ في عصابة معه نحو من ثلثمائة أحسن قتال قاتله احد من الناس ان كان ليقاتل حتى يتبلد ثم يجلس ويحيط به أصحابه فإذا استراح نهض فقاتل فما كان يتوجه نحو طائفة من اهل الشام الا ضاربهم حتى بكشفهم .
( قال أبو مخنف ) فحدثني أبو يوسف محمد بن ثابط عن عباس بن سهل بن سعد قال تولى قتال اهل الشام يوم تحريق الكعبة عبدالله بن مطيع وأنا والمختار قال فما كان فينا يومئذ رجل احسن بلاء من المختار قال وقاتل قبل ان يطلع أهل الشام على
موت يزيد بن معاوية بيوم قتالا شديدا وذلك يوم الاحد لخمس عشرة ليلة مضت من ربيع الآخر سنة 64 وكان أهل الشام قدرجوا أن يظفروا بنا واخذوا علينا سكك مكة قال وخرج ابن الزبير فبايعه رجال كثير على الموت . قال فخرجت في
عصابة معى أقاتل في جانب والمختار في عصابة اخرى يقاتل في جمعية من أهل اليمامة في جانب وهم خوارج وانما قاتلوا ليدفعوا عن البيت فهم في جانب وعبد الله بن المطيع في جانب قال فشد أهل الشام على فحازوني في اصحابي حتى اجتمعت
انا والمختار واصحابه في مكان واحد فلم اكن اصنع شيئا الا صنع مثله ولا يصنع شيئا الا تكلفت ان اصنع مثله فما رايت اشد منه قط قال فانا لنقاتل إذ شدت علينا رجال وخيل من خيل اهل الشام فاضطروني واياه في نحو من سبعين رجلا من أهل
الصبر إلى جانب دار من دور اهل مكة فقاتلهم المختار
- ص 277 -
يومئذ واخذ يقول رجل لرجل ولا والت نفس امرى يفر . قال فخرج المختار وخرجت معه فقلت ليخرج منكم إلى رجل فخرج إلى رجل واليه رجل آخر فمشيت إلى صاحبي فاقتله ومشى المختار إلى صاحبه فقتله ثم صحنا باصحابنا وشددنا
عليهم فوالله لضربناهم حتى اخرجنا هم من السكك كلها ثم رجعنا إلى صاحبينا اللذين قتلنا قال فإذا الذي قتلت رجل احمر شديد الحمرة كانه رومى وإذا الذي قتل المختار رجل أسود شديد السواد فقال لي المختار تعلم والله اني لاظن قتيلينا هذين
عبدين ولو أن هذين قتلانا لفجع بنا عشائرنا ومن يرجونا وما هذان وكلبان من الكلاب عندي الاسواء ولا أخرج بعد يومى هذا الرجل أبدا الا لرجل أعرفه . فقلت له وأنا والله لا اخرج الا لرجل اعرفه وأقام المختار مع ابن الزبير حتى هلك يزيد
بن معاوية وانقضى الحصار ورجع أهل الشام إلى الشام واصطلح أهل الكوفة على عامر بن مسعود بعد ما هلك يزيد يصلى بهم حتى يجتمع الناس على امام يرضونه فلم يلبث عامر الا شهرا حتى بعث ببيعته وبيعة اهل الكوفة إلى ابن الزبير وأقام المختار مع ابن الزبير خمسة أشهر بعد مهلك يزيد واياما .
( قال أبو مخنف ) فحدثني عبدالملك بن نوفل بن مساحق عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال والله اني لمع عبدالله ابن الزبير ومعه عبدالله بن صفوان بن أمية بن خلف ونحن نطوف بالبيت إذ نظر ابن الزبير فإذا هو بالمختار فقال لابن صفوان انظر إليه فوالله لهو أحذر من ذئب قد اطافت به السباع قال فمضى ومضينا معه فلما قضينا طوافنا وصلينا الركعتين
- ص 278 -
بعد الطواف لحقنا المختار فقال لابن صفوان ما الذي ذكرني به ابن الزبير قال قال فكتمه وقال لم يذكرك الا بخير قال بلى ورب هذه البنية ان كنت لمن شأنكما أما والله ليخطن في اثرى اولاقدنها عليه سعرا فأقام معه خمسة أشهر فلما رآه لا يستعمله جعل لا يقدم عليه احد من الكوفة الا سأله عن حال الناس وهيئتهم .
( قال أبو مخنف ) فحدثني عطية بن الحارث أبوروق الهمداني أن هاني بن ابي حية الوادعى قدم مكة يريد عمرة رمضان فسأله المختار عن حاله وحال الناس بالكوفة وهيئتهم فأخبره عنهم بصلاح واتساق على طاعة ابن الزبير الا أن طائفة من
الناس إليهم عدد اهل مصر لو كان لهم رجل يجمعهم على رأيهم أكل بهم الارض إلى يوم ما فقال له المختار أنا أبو اسحاق أنا والله لهم أنا اجمعهم على امر الحق وأنفى بهم ركبان الباطل واقتل بهم كل جبار عنيد فقال له هاني بن ابي حية ويحك
يا ابن أبي عبيد ان استطعت الا توضع في الضلال ليكن صاحبهم غيرك فان صاحب الفتنة اقرب شئ اجلا وأسوأ الناس عملا . فقال له المختار اني لا ادعو إلى الفتنة انما أدعو إلى الهدى و الجماعة ثم وثب فخرج وركب رواحله فأقبل نحو
الكوفة حتى إذا كان بالقرعاء لقيه سلمة بن مرثد أخو بنت مرثد القابضى من همدان وكان من اشجع العرب وكان ناسكا فلما التقيا تصافحا وتساء لا فخبره المختار خبر الحجاز . ثم قال لسلمة بن مرثد حدثني عن الناس بالكوفة قال هم كغنم ضل
راعيها فقال المختار بن أبي عبيد انا الذي احسن رعايتها وابلغ نهايتها
- ص 279 -
فقال له سلمة اتق الله واعلم انك ميت ومبعوث ومحاسب ومجزى بعملك ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا ثم افترقا وأقبل المختار حتى انتهى إلى بحر الحيرة يوم الجمعة فنزل فاغتسل فيه وادهن دهنا يسيرا وليس ثيابه واعتم وتقلد سيفه ثم ركب
راحلته فمر بمسجد السكون وجبانة كندة لا يمر بمجلس الاسلم على أهله وقال ابشروا بالنصر والفلح اتاكم ما تحبون و اقبل حتى مر بمسجد بني ذهل وبني حجر فلم يجد ثم أحدا ووجد الناس قد راحوا إلى الجمعة فأقبل حتى مر ببني بداء فوجد
عبيده بن عمر البدى من كندة فسلم عليه . ثم قال أبشر بالنصر واليسر والفلج انك ابا عمرو على رأى حسن لن يدع الله لك معه مأثما الا غفره ولا ذنبا الا ستره قال وكان عبيدة من اشجع الناس وأشعرهم وأشدهم حبا لعلي رضي الله عنه وكان لا
يصبر عن الشراب فلما قال له المختار هذا القول قال له عبيدة بشرك الله بخير انك قد بشرتنا فهل أنت مفسر لنا قال نعم فالقني في الرحل الليلة ثم مضى .
مجيء المختار إلى الكوفة ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 279 : -
( قال أبو مخنف ) فحدثني فضيل ابن خديج عن عبيدة بن عمر و قال قال لي المختار هذه المقالة ثم قال لي القني في الرحل وبلغ اهل مسجدكم هذا عني أنهم قوم اخذ الله ميثاقهم على طاعته يقتلون المحلين ويطلبون بدماء اولاد النبيين ويهديهم للنور
المبين ثم مضى فقال لي كيف الطريق إلى بني هند فقلت له أنظرني أدلك فدعوت بفرسي وقد أسرج لي فركبته قال ومضيت معه إلى بني هند فقال دلني على منزل اسماعيل بن كثير قال فمضيت به إلى منزله فاستخرجته فحياه ورحب به وصافحه وبشره وقال له القني أنت وأخوك الليلة وأبو عمر فاني قد أتيتكم بكل
- ص 280 -
ما تحبون . قال ثم مضى ومضينا معه حتى مر بمسجد جهينة الباطنة ثم مضى إلى باب الفيل فاناخ راحلته ثم دخل المسجد واستشرف له الناس وقالوا هذا المختار قد قدم فقام المختار إلى جنب سارية من سوارى المسجد فصلى عندها حتى أقيمت الصلاة فصلى مع الناس ثم ركد إلى سارية أخرى فصلى ما بين الجمعة والعصر فلما صلى العصر مع الناس انصرف .
( قال أبو مخنف ) فحدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبى ان المختار مر على حلقة همدان وعليه ثياب السفر فقال ابشروا فأني قد قدمت عليكم بما يسركم ومضى حتى نزل داره وهي الدار التي تدعى دار سلم بن المسيب وكانت الشيعة تختلف إليها واليه فيها .
( قال أبو مخنف ) فحدثني فضيل بن خديج عن عبيد بن عمرو واسماعيل بن كثير من بني هند قالا أتيناه من الليل كما وعدنا فلما دخلنا عليه وجلسنا سألنا عن أمر الناس وعن حال الشيعة فقلنا له ان الشيعة قد اجتمعت لسليمان بن صرد الخزاعى وانه
لن يلبث الا يسيرا حتى يخرج قال فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أما بعد فان المهدي ابن الوصي محمد بن علي بعثني اليكم أمينا ووزيرا ومنتخبا وأميرا وأمرني بقتال الملحدين والطلب بدماء أهل بيته والدفع عن الضعفاء .
( قال أبو مخنف ) قال فضيل بن حديج فحدثني عبيدة بن عمرو واسماعيل بن كثير أنهما كانا اول خلق الله اجابة وضربا على يده وبايعاه قال أقبل والمختار يبعث إلى الشيعة وقد اجتمعت عند سليمان بن صرد فيقول لهم
- ص 281 -
اني قد جئتكم من قبل ولي الامر ومعدن الفضل ووصى الوصي والامام المهدى بأمر فيه الشفاء وكشف الغطاء وقتل الاعداء وتمام النعماء ان سليمان ابن صرد يرحمنا الله واياه انما هو عشمة من العشم وحفش بال ليس بذي تجربة للامور ولاله علم
بالحروب انما يريد ان يخرجكم فيقتل نفسه ويقتلكم اني انما اعمل على مثال قد مثل لي وأمر قد بين لي فيه عزوليكم وقتل عدوكم وشفاء صدوركم فاسمعوا مني قولي وأطيعوا أمرى ثم ابشروا وتباشروا فاني لكم بكل ما تأملون خير زعيم . قال
فوالله ما زال بهذا القول ونحوه حتى استمال طائفة من الشيعة وكانوا يختلفون إليه ويعظمونه وينظرون أمره وعظم الشيعة يومئذ ورؤساؤهم مع سليمان بن صرد وهو شيخ الشيعة وأسنهم فليس يعدلون به احدا الا أن المختار قد استمال منهم طائفة
ليسوا بالكثير فسليمان بن صرد أثقل خلق الله على المختار وقد اجتمع لابن صرد يومئذ أمره وهو يريد الخروج والمختار لا يريد ان يتحرك ولا ان يهيج أمرا رجاء ان ينظر إلى ما يصير إليه امر سليمان رجاء أن يستجمع له امر الشيعة فيكون اقوى
له على درك ما يطلب فلما خرج سليمان بن صرد ومضى نحو الجزيرة . قال عمر بن سعد بن أبي وقاص وشبث بن ربعى ويزيد بن الحارث بن رويم لعبد الله بن يزيد الخطمى وابراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيدالله ان المختار أشد عليكم من
سليمان بن صرد أن سليمان انما خرج يقاتل عدوكم ويذللهم لكم وقد خرج عن بلادكم وان المختار انما يريد أن يثبت عليكم في مصركم فسيروا إليه فأوثقوه في الحديد وخلدوه
- ص 282 -
في السجن حتى يستقيم أمر الناس فخرجوا إليه في الناس فما شعر بشئ حتى أحاطوا به وبداره فاستخرجوه فلما رأى جماعتهم قال ما بالكم فوالله بعد ما ظفرت أكفكم . قال فقال ابراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيدالله لعبد الله بن يزيد شده كتافا
ومشه حافيا فقال له عبدالله بن يزيد سبحان الله ماكنت لامشيه ولا لاحفيه ولا كنت لافعل هذا برجل لم يظهر لنا عداوة ولا حربا وانما أخذناه على الظن فقال له ابراهيم بن محمد ليس بغشك فادرجي ما أنت وما يبلغنا عنك يا ابن أبي عبيد فقال له ما
الذي بلغك عني الا باطل وأعوذ بالله من غش كغش أبيك وجدك قال قال فضيل فوالله اني لانظر إليه حين أخرج وأسمع هذا القول حين قال له غير أني لا أدري أسمعه منه أبراهيم أم لم يسمعه فسكت حين تكلم به قال وأتى المختار ببغلة دهماء يركبها فقال ابراهيم لعبد الله ابن يزيد الا تشد عليه القيود فقال كفى له بالسجن قيدا .
( قال أبو مخنف ) وأما يحيى بن أبي عيسى فحدثني انه قال دخلت إليه مع حميد بن مسلم الازدي نزوره ونتعاهده فرأيته مقيدا قال فسمعته يقول أما ورب البحار والنخيل والاشجار والمهامة والقفار والملائكة الابرار والمصطفين الاخيار لاقتلن كل
جبار بكل لدن خطار ومهند بتار في جموع من الانصار ليسوا بميل أغمار ولا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين ورأيت شعب صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت بثأر النبيين لم يكبر على زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا اتى قال فكان إذا أتيناه وهو في السجن ردد علينا هذا القول حتى خرج منه قال وكان
- ص 283 -
يتشجع لاصحابه بعد ما خرج ابن صرد .
( قال هشام ) قال أبو مخنف حدثني أبو يوسف عن عبدالله بن عوف الاحمري قال بعث سليمان بن صرد إلى وجوه أصحابه حين اراد الشخوص وذلك في سنة 65 فأتوه فلما استهل الهلال هلال شهر ربيع الاخر خرج في وجوه اصحابه وقد كان
واعد أصحابه عامة للخروج في تلك الليلة للمعسكر بالنخيلة فخرج حتى أتى عسكره فدار في الناس ووجوه اصحابه فلم يعجبه عدة الناس فبعث حكيم بن منقذ الكندى في خيل وبعث الوليد بن غضين الكنانى في خيل وقال اذهبا حتى تدخلا الكوفة
فناديا يا لثأرات الحسين وابلغا المسجد الاعظم فناديا بذلك فخرجا وكانا اول خلق الله دعوا يا لثأرات الحسين . قال فأقبل حكيم بن منقذ الكندى في خبل والوليد بن غضين في خيل حتى مرا ببنى كثير وان رجلا من بني كثير من الازد يقال له
عبدالله بن حازم مع امرأته سهلة بنت سبرة بن عمرو من بني كثير وكانت من أجمل الناس وأحبهم إليه سمع الصوت بالثأرات الحسين وما هو ممن كان يأتيهم ولا استجاب لهم فوثب إلى ثيابه فلبسها ودعا بسلاحه وأمر باسراج فرسه فقالت له
امرأته ويحك أجننت قال لا والله ولكني سمعت داعى الله فأنا مجيبه أنا طالب بدم هذا الرجل حتى أموت أو يقضى الله من أمرى ما هو أحب إليه فقالت له إلى من تدع بنيك هذا قال إلى الله وحده لا شريك له اللهم اني أستودعك أهلى وولدى اللهم
احفظني فيهم وكان ابنه ذلك يدعى عزرة فبقى حتى قتل بعد مع مصعب ابن الزبير وخرج حتى لحق بهم .
- ص 284 -
فقعدت امرأته تبكيه واجتمع إليها نساؤها ومضى مع القوم وطافت تلك الليلة الخيل بالكوفة حتى جاء والمسجد بعد العتمة وفيه ناس كثير يصلون فنادوا يا لثأرات الحسين وفيهم أبو عزة القابضى وكرب بن نمران يصلى فقال يا لثأرات الحسين أين
جماعة القوم قيل بالنخيلة فخرج حتى أتى اهله فأخذ سلاحه ودعا بفرسه ليركبه فجاءته ابنته الرواع وكانت تحت ثبيت بن مرثد القابضى فقالت يا أبت مالى اراك قد تقلدت سيفك ولبست سلاحك فقال لها يا بنية ان أباك يفر من ذنبه إلى ربه فاخذت
تنتحب وتبكى وجاءه أصهاره وبنو عمه فودعهم ثم خرج فلحق بالقوم قال فلم يصبح سليمان ابن صرد حتى أتاه نحو ممن كان في عسكره حين دخله قال ثم دعا بديوانه لينظر فيه إلى عدة من بايعه حين أصبح فوجدهم ستة عشر ألفا فقال سبحان الله ما وافانا الا اربعة آلاف من ستة عشر ألفا
( قال أبو مخنف ) عن عطية بن الحارث عن حميد بن مسلم قال قلت لسليمان ابن صرد ان المختار والله يثبط الناس عنك اني كنت عنده اول ثلاث فسمعت نفرا من أصحابه يقولون قد كملنا الفى رجل فقال وهب أن ذلك كان فأقام عنا عشرة آلاف اما
هؤلاء بمؤمنين أما يخافون الله اما يذكرون الله وما أعطونا من انفسهم من العهود والمواثيق ليجاهدن ولينصرن فأقام بالنخيلة ثلاثا يبعث ثقاته من اصحابه إلى من تخلف عنه يذكرهم الله وما اعطوه من أنفسهم فخرج إليه نحو من ألف رجل فقام
المسيب بن نجبة إلى سليمان بن صرد فقال رحمك الله انه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك الا من اخرجته النية فلا تنتظرن احدا واكمش في امرك
- ص 285 -
قال فانك والله لنعما رأيت . فقام سليمان بن صرد في الناس متوكئا على قوس له عربية فقال أيها الناس من كان انما اخرجته ارادة وجه الله وثواب الاخرة فذلك منا ونحن منه فرحمة الله عليه حيا وميتا ومن كان انما يريد الدنيا وحرثها فوالله ما نأتي
فيئا نستفيئه ولا غنيمة نغنمها ما خلا رضوان الله رب العالمين . وما معنا من ذهب ولا فضة ولا خز ولا حرير وما هو الا سيوفنا في عواتقنا ورماحنا في اكفنا وزاد قدر البلغة إلى لقاء عدونا فمن كان غير هذا ينوى فلا يصحبنا فقام صخير بن
حذيفة بن هلال بن مالك المزني فقال اتاك الله رشدك ولقاك حجتك والله الذي لا اله غيره ما لنا خير في صحبة من الدنيا همته ونيته ايها الناس انما اخرجتنا التوبة من ذنبنا والطلب بدم ابن ابنة نبينا صلى الله عليه وآله ليس معنا دينار ولا درهم
انما تقدم على حد السيوف واطراف الرماح فتنادى الناس من كل جانب انا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا .
" قال أبو مخنف " عن اسماعيل بن يزيد الازدي عن السرى بن كعب الازدي قال اتينا صاحبنا عبدالله بن سعد بن نفيل نودعه قال فقام فقمنا معه فدخل على سليمان ودخلنا معه وقد أجمع سليمان بالمسير فأشار عليه عبدالله بن سعد بن نفيل ان يسير إلى
عبيدالله بن زياد فقال هو ورؤوس اصحابه الرأى ما اشار به عبدالله بن سعد بن نفيل ان نسير إلى عبيدالله بن زياد قاتل صاحبنا ومن قبله اتينا فقال له عبدالله بن سعد وعنده رؤوس اصحابه جلوس حوله اني قد رأيت رأيا ان يكن صوابا فالله
- ص 286 -
وفق وان يكن ليس بصواب فمن قبلى فاني ما آلوكم ونفسي نصحا خطأ كان ام صوابا انما خرجنا نطلب بدم الحسين وقتلة الحسين كلهم بالكوفة منهم عمر بن سعد بن ابي وقاص ورؤوس الارباع واشرف القبائل فأنى نذهب ههنا وندع الاقتال
والاوتار . فقال سليمان بن صرد فماذا ترون فقالوا والله لقد جاء برأى وان ما ذكر لكما ذكر والله ما نلقى من قتلة الحسين ان نحن مضينا نحو الشام غير ابن زياد وما طلبتنا الا ههنا بالمصر فقال سليمان بن صرد لكن انا ما ارى ذلك لكم ان الذي
قتل صاحبكم وعبى الجنود إليه وقال لا امان له عندي دون ان يستسلم فأمضى فيه حكمي هذا الفاسق ابن الفاسق ابن مرجانة عبيدالله بن زياد فسيروا إلى عدوكم على اسم الله فان يظهركم الله عليه رجونا ان يكون من بعده اهون شوكة منه ورجونا ان
يدين لكم من وراءكم من اهل مصركم في عافية فتنظرون إلى كل من شرك في دم الحسين فتقاتلونه ولا تغشموا وان تستشهدوا فانما قاتلتم المحلين وما عند الله خير للابرار والصديقين انى لاحب ان تجعلوا حدكم وشوكتكم بأول المحلين
القاسطين والله لو قاتلتم غدا أهل مصركم ما عدم رجل ان يرى رجلا قد قتل اخاه واباه وحميمه أو رجلا لم يكن يريد قتله فاستخيروا الله وسيروا فتهيأ الناس للشخوص قال وبلغ عبدالله بن يزد وابراهيم بن محمد بن طلحة خروج ابن صرد وأصحابه
فنظرا في امرهما فرأيا ان يأتياهم فيعرضا عليهم الاقامة وان تكون ايديهم واحدة فان ابوا الا الشخوص سألوهم النظرة حتى
- ص 287 -
بعثوا معهم جيشا فيقاتلوا عدوهم بكشف وحد فبعث عبدالله بن يزيد وابراهيم بن محمد بن طلحة سويد بن عبدالرحمن إلى سليمان بن صرد فقال له ان عبدالله وابراهيم يقولان انا نريد ان نجيئك الان لامر عسى الله ان يجعل لنا ولك فيه صلاحا .
فقال قل لهما فليأتيانا وقال سليمان لرفاعة بن شداد البجلى قم انت فأحسن تعبية الناس فان هذين الرجلين قد بعثا بكيت وكيت فدعا رؤس اصحابه فجلسوا حوله فلم يمكثوا الا ساعة حتى جاء عبدالله بن يزيد في اشراف اهل الكوفة والشرط وكثير من
المقاتلة وابراهيم بن محمد بن طلحة في جماعة من اصحابه . فقال عبدالله بن يزيد لكل رجل معروف قد علم انه قد شرك في دم الحسين لا تصحبني إليهم مخافة ان ينظروا إليه فيعدوا عليه وكان عمر بن سعد تلك الايام التي كان سليمان معسكرا فيها
بالنخيلة لا يبيت الا في قصر الامارة مع عبدالله بن يزيد مخافة ان يأتيه القوم في داره ويذمروا عليه في بيته وهو غافل لا يعلم فيقتل . وقال عبدالله بن يزيد يا عمرو بن حريث ان انا ابطأت عنك فصل بالناس الظهر فلما انتهى عبدالله بن يزيد
وابراهيم بن محمد إلى سليمان بن صرد دخلا عليه فحمد الله عبدالله بن يزيد واثنى عليه ثم قال : ان المسلم اخو المسلم لا يخونه ولا يغشه وانتم اخواننا واهل بلدنا واحب اهل مصر خلقه الله الينا فلا تفجعونا بأنفسكم ولا تستبدوا علينا برأيكم ولا
تنقصوا عددنا بخروجكم من جماعتنا أقيموا معنا حتى
- ص 288 -
نتيسر ونتهيأ فإذا علمنا ان عدونا قد شارف بلدنا خرجنا إليهم بجماعتنا فقاتلناهم وتكلم ابراهيم بن محمد بنحو من هذا الكلام قال فحمد الله سليمان بن صرد وأثنى عليه . ثم قال لهما اني قد علمت انكما قد محضتما في النصيحة واجتهدتما في المشورة
فنحن بالله وله وقد خرجنا لامر ونحن نسأل الله العزيمة على الرشد والتسديد لاصوبه ولا ترانا الا شاخصين ان شاء الله ذلك فقال عبدالله بن يزيد فأقيموا حتى نعبى معكم جيشا كثيفا فتلقوا عدوكم بكثف وجمع وحد فقال له سليمان تنصرفون ونرى فيما بيننا وسيأتيكم ان شاء الله رأى .
( قال أبو مخنف ) عن عبد الجبار يعنى ابن عباس الهمداني عن عون بن أبي جحيفة السوائى قال ثم ان عبدالله بن يزيد وابراهيم بن محمد بن طلحة عرضا على سليمان ان يقيم معهما حتى يلقوا جموع اهل الشام على ان يخصاه واصحابه بخراج
جوخى خاصة لهم دون الناس فقال لهما سليمان انا ليس للدنيا خرجنا وانما فعلا ذلك لما قد كان بلغهما من اقبال عبيدالله بن زياد نحو العراق وانصرف ابراهيم بن محمد وعبد الله بن يزيد إلى الكوفة واجمع القوم على الشخوص واستقبال ابن زياد
ونظروا فإذا شيعتهم من اهل البصرة لم يوافوهم لميعادهم ولا اهل المدائن فأقبل ناس من اصحابه يلومونهم فقال سليمان لا تلوموهم فانى لا اراهم الا سيسرعون اليكم لو قد انتهى اليكم خبركم حين مسيركم ولا اراهم خلفهم ولا اقعدهم الا قلة النفقة وسوء العدة فأقيموا ليتيسروا
- ص 289 -
ويتجهزوا ويلحقوا بكم وبهم قوة وما اسرع القوم في آثاركم .
قال ثم ان سليمان بن صرد قام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال اما بعد ايها الناس فان الله قد علم ما تنوون وما خرجتم تطلبون وان للدنيا تجارا فأما تاجر الاخرة فساء إليها منصب بتطلابها لا يشترى بها ثمنا لا يرى الا قائما وقاعدا
وراكعا وساجدا لا يطلب ذهبا ولا فضة ولا دنيا ولا لذة واما تاجر الدنيا فمكب عليها راتع فيها لا يبتغى بها بدلا فعليكم يرحمكم الله في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل ويذكر الله كثيرا على كل حال وتقربوا إلى الله جل ذكره بكل خير
قدرتم عليه حتى تلقوا هذا العدو والمحل القاسط فتجاهدوه فانكم لن تتوسلوا إلى ربكم بشئ هو اعظم عنده ثوابا من الجهاد والصلاة فان الجهاد سنام العمل جعلنا الله واياكم من العباد الصالحين المجاهدين الصابرين على اللاواء وانا مدلجون الليلة
من منزلنا هذا ان شاء الله فادلجوا فادلج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الاخر سنة 65 للهجرة قال فلما خرج سليمان واصحابه من النخيلة دعا سليمان بن صرد حكيم بن منقذ فنادى في الناس الا لا يبيتن رجل منكم دون دير الاعور
فبات الناس بدير الاعور وتخلف عنه ناس كثير ثم سار حتى نزل الاقساس اقساس مالك على شاطئ الفرات فعرض الناس فسقط منهم نحو من الف رجل فقال ابن صرد ما احب ان من تخلف عنكم معكم ولو خرجوا معكم ما زادوكم الا خبالا ان
الله عزوجل كره انبعاثهم فثبطهم وخصكم بفضل ذلك فاحمدوا ربكم ثم خرج من منزله ذلك دلجة فصبحوا قبر الحسين فاقاموا به ليلة ويوما يصلون عليه ويستغفرون له
- ص 290 -
قال فلما انتهى الناس إلى قبر الحسين صاحوا صيحة واحدة وبكوا فما رثى يوم كان اكثر باكيامنه
( قال أبو مخنف ) وقد حدث عبدالرحمن ابن جندب عن عبدالرحمن بن غزية قال لما انتهينا إلى قبر الحسين عليه السلام بكى الناس بأجمعهم وسمعت جل الناس يتمنون أنهم كانوا أصيبوا معه فقال سليمان اللهم ارحم حسينا الشهيد بن الشهيد المهدى بن
المهدى الصديق بن الصديق اللهم انا نشهدك انا على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم ثم انصرف ونزل ونزل اصحابه
( قال أبو مخنف ) حدثنا الاعمش قال حدثنا سلمة بن كهيل عن ابي صادق قال لما انتهى سليمان بن صرد واصحابه إلى قبر الحسين نادوا صيحة واحدة يا رب انا قد خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لناما مضى منا وتب علينا انك انت التواب الرحيم وارحم
حسينا واصحابه الشهداء الصديقين وانا نشهدك يا رب انا على مثل ما قتلوا عليه فان لم تغفره لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال فاقاموا عنده يوما وليلة يصلون عليه ويبكون ويتضرعون فما انفك الناس من يومهم ذلك يترحمون عليه وعلى
اصحابه حتى صلوا الغداة من الغد عند قبره وزادهم ذلك حنقاثم ركبوا فأمر سليمان الناس بالمسير فجعل الرجل لا يمضى حتى يأتي قبر الحسين فيقوم عليه فيترحم عليه ويستغفر له قال فوالله لرأيتهم ازدحموا على قبره اكثر من ازدحام الناس على
الحجر الاسود قال ووقف سليمان عند قبره فكلما دعا له قوم وترحموا عليه قال لهم المسيب بن نجبة وسليمان بن صرد الحقوا باخوانكم
- ص 291 -
رحمكم الله فما زال كذلك حتى بقى نحو من ثلاثين من اصحابه فأحاط سليمان بالقبر هو واصاحباه فقال سليمان الحمد لله الذي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الحسين اللهم إذ حرمتناها معه فلا تحرمناها فيه بعده وقال عبدالله بن وال أما والله انى لاظن
حسينا واباه واخاه افضل امة محمد صلى الله عليه وآله وسيلة عند الله يوم القيامة افما عجبتم لما ابتليت به هذه الامة منهم أنهم قتلوا اثنين واشفوا بالثالث على القتل . قال يقول المسيب بن نجبة فأنا من قتلتهم ومن كان على رأيهم برئ اياهم اعادي
واقاتل قال فاحسن الرؤوس كلهم المنطق وكان المثنى بن مجزية صاحب احد الرؤوس والاشراف فساءني حيث لم اسمعه تكلم مع القوم بنحو ما تكلموا به قال فوالله ما لبثت ان تكلم بكلمات ما كن بدون كلام احد من القوم فقال ان الله جعل هؤلاء
الذين ذكر تم بمكانهم من نبيهم صلى الله عليه وسلم أفضل ممن هو دون نبيهم وقد قتلهم قوم نحن لهم اعداء ومنهم برآء وقد خرجنا من الديار والاهلين والاموال ارادة استئصال من قتلهم فوالله لو أن القتال فيهم بمغرب الشمس أو بمنقطع التراب يحق
علينا طلبه حتى نناله فان ذلك هو الغنم وهي الشهادة التي ثوابها الجنة فقلنا له صدقت واصبت ووفقت قال ثم ان سليمان بن صرد سار من موضع قبر الحسين وسرنا معه فأخذنا على الحصاصة ثم على الانبار ثم على الصدود ثم على القيارة
( قال أبو مخنف ) عن الحارث بن حصيرة وغيره ان سليمان بعث على مقدمته كريب بن يزيد الحميرى .
- ص 292 -
( قال أبو مخنف ) حدثني الحصين بن يزيد عن السرى ابن كعب قال خرجنا مع رجال الحي نشيعهم فلما انتهينا إلى قبر الحسين وانصرف سليمان بن صرد وأصحابه عن القبر ولزموا الطريق استقدمهم عبدالله بن عوف ابن الاحمر على فرس له مهلوب كميت مربوع يتأكل تأكلا وهو يرتجز ويقول .
خرجن يلمعن بنا ارسالا * عوابسا يحملننا ابطالا
نريد أن نلقى به الافتالا * القاسطين الغدر الضلالا
وقد رفضنا الاهل والاموالا * والخفرات البيض والحجالا
نرضى به ذا النعم المفضالا
( قال أبو مخنف ) عن سعد بن مجاهد الطائي عن المحل بن خليفة الطائي أن عبدالله بن يزيد كتب إلى سليمان بن صرد أحسبه قال بعني به فلحقته بالقيارة واستقدم أصحابه حتى ظن أن قد سبقهم قال فوقف وأشار إلى الناس فوقفوا عليه ثم أقرأهم
كتابه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله بن يزيد إلى سليمان بن صرد ومن معه من المسلمين سلام عليكم اما بعد فان كتابي هذا اليكم كتاب ناصح ذي ارعاء وكم من ناصح مستغش وكم من غاش مستنصح محب انه بلغني أنكم تريدون المسير
بالعدد اليسير إلى الجمع الكثير وانه من يرد أن ينقل الجبال عن مراتبها تكل معاوله وينزع وهو مذموم العقل والفعل يا قومنا لا تطمعوا عدوكم في أهل بلادكم فانكم خيار كلكم ومتى ما يصبكم عدوكم يعلموا أنكم أعلام مصركم فيطمعهم ذلك فيمن وراءكم يا قومنا انهم ان يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا
- ص 293 -
إذا أبدا يا قوم ان أيدينا وأيديكم اليوم واحدة وان عدونا وعدوكم واحد ومتى تجتمع كلمتنا نظهر على عدونا ومتى تختلف تهن شوكتنا على من خالفنا يا قومنا لا تستغشوا نصحي ولا تخالفوا أمري وأقبلوا حين يقرأ عليكم كتابي أقبل الله بكم إلى طاعته
وأدبر بكم عن معصيته والسلام . قال فلما قرئ الكتاب على ابن صرد وأصحابه قال للناس ما ترون قالوا ماذا ترى قد أبينا هذا عليكم وعليهم ونحن في مصرنا وأهلنا فالان حين خرجنا ووطنا أنفسنا على الجهاد ودنونا من ارض عدونا ما هذا برأى
ثم نادوه أن أخبرنا برأيك قال رأيي والله انكم لم تكونوا قط أقرب من احدى الحسنيين منكم يومكم هذا الشهادة والفتح ولا ارى ان تنصرفوا عما جمعكم الله عليه من الحق واردتم به من الفضل أنا وهؤلاء مختلفون ان هؤلاء لو ظهر وادعونا إلى الجهاد
مع ابن الزبير ولا ارى الجهاد مع ابن الزبير الا ضلالا وانا ان نحن ظهرنا رددنا هذا الامر إلى اهله وان أصبنا فعلى نياتنا نائبين من ذنوبنا ان لنا شكلا وان لابن الزبير شكلا انا واياهم كما قال اخو بني كنانة . ارى لك شكلا غير شكلي فاقصري *
عن اللوم إذ بدلت واختلف الشكل قال فانصرف الناس معه حتى نزل هيت فكتب سليمان : بسم الله الرحمن الرحيم للامير عبدالله بن يزيد من سليمان بن صرد ومن معه من المؤمنين سلام عليك . اما بعد فقد قرأنا كتابك وفهمنا ما نويت فنعم والله الوالى ونعم
- ص 294 -
الامير ونعم اخو العشيرة انت والله من نأمنه بالغيب ونستنصحه في المشورة ونحمده على كل حال انا سمعنا الله عزوجل يقول في كتابه " ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة - إلى قوله - وبشر المؤمنين " ان القوم قد
استبشروا بيعتهم التي بايعوا انهم قد تابوا من عظيم جرمهم وقد توجهوا إلى الله وتوكلوا عليه ورضوا بما قضى الله ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير والسلام عليك فلما أتاه هذا الكتاب قال استمات القوم اول خبر ياتيكم عنهم قتلهم وايم الله ليقتلن كراما مسلمين ولا والذي هو ربهم لا يقتلهم عدوهم حتى تشتد شوكتهم وتكثر القتلى فيما بينهم "
انتهاء سليمان بن صرد ومن معه إلى قرقيسيا ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 294 : -
" قال أبو مخنف " فحدثني يوسف بن يزيد عن عبدالله بن عوف بن الاحمر وعبد الرحمن بن جندب عن عبدالرحمن بن غزية قال خرجنا من هيت حتى انتهينا إلى قرقيسيا فلما دنونا منها وقف سليمان بن صرد فعبانا تعبية حسنة حتى مررنا بجانب
قرقيسيا فنزلنا قريبا منها وبها زفر بن الحارث الكلابي قد تحصن بها من القوم ولم يخرج إليهم فبعث سليمان المسيب بن نجبة فقال ائت ابن عمك هذا فقل له فليخرج الينا سوقا فانا لسنا اياه نريد انما صمدنا لهؤلاء المحلين فخرج المسيب بن نجبة
حتى انتهى إلى باب قرقيسيا فقال افتحوا ممن تحصنون فقالوا من انت قال انا المسيب بن نجبة فأتى الهذيل ابن زفرأياه فقال هذا رجل حسن الهيئة يستأذن عليك وسألناه من هو فقال المسيب بن نجبة قال وانا إذ ذاك لا علم لى بالناس ولا اعلم أي الناس هو فقال لي ابي أما تدرى أي بني من هذا هذا فارس
- ص 295 -
مضر الحمراء كلها وإذا عد من أشرافها عشرة كان احدهم وهو بعد رجل ناسك له دين ائذن له فأذنت له فأجلسه أبي إلى جانبه وسائله والطفه في المسألة . فقال المسيب بن نجبة ممن تحصن انا والله مما اياكم نريد وما اعترينا إلى شئ الا أن
تعيننا على هؤلاء القوم الظلمة المحلين فاخرج لنا سوقا فانا لا نقيم بساحتكم الا يوما أو بعض يوم فقال له زفر بن الحارث انا لم تغلق ابواب هذه المدينة الا لنعلم ايانا اعتريتم ام غيرنا والله ما بنا عجز عن الناس ما لم تدهمنا حيلة وما نحب أنا بلينا
بقتالكم وقد بلغنا عنكم صلاح وسيرة حسنة جميلة . ثم دعا ابنه فأمره أن يضع لهم سوقا وأمر للمسيب بالف درهم وفرس فقال له المسيب اما المال فلا حاجة لي فيه والله ماله خرجنا ولا اياه طلبنا واما الفرس فاني اقبله لعلي احتاج إليه أن ظلع
فرسي أو غمز تحتي فخرج به حتى أتى أصحابه وأخرجت لهم السوق فتسوقوا . وبعث زفر بن الحارث إلى المسيب بن نجبة بعد اخراج الاسواق والاعلاف والطعام الكثير بعشرين جزورا وبعث إلى سليمان بن صرد مثل ذلك وقد كان زفر أمر
ابنه أن يسأل عن وجوه أهل العسكر فسمى له عبدالله بن سعد بن نفيل وعبد الله بن وال ورفاعة بن شداد وسمى له امراء الارباع فبعث إلى هؤلاء الرؤس الثلاثة بعشر جزائر عشر جزائر وعلف كثير وطعام وأخرج العسكر عيرا عظيمة وشعيرا
كثيرا فقال غلمان زفر هذه عير فاجتزروا منها ما احببتم وهذا شعير فاحتملوا منه ما اردتم وهذا دقيق فتزودوا منه ما أطقتم فظل القوم يومهم ذلك مخصبين
- ص 296 -
لم يحتاجوا إلى شراء شئ من هذه الاسواق التي وضعت وقد كفوا اللحم والدقيق والشعير الا ان يشترى الرجل ثوبا أو سوطا ثم ارتحلوا من الغد . وبعث إليهم زفرانى خارج اليكم فمشيعكم فأتاهم وقد خرجوا على تعبية حسنة فسايرهم فقال زفر
لسليمان انه قد بعث خمسة أمراء قد فصلوا من الرقة فيهم الحصين ابن نمير السكوني وشرحبيل بن ذي الكلاع وأدهم بن مجرز الباهلى وأبو مالك بن ادهم وربيعة بن المخارق الغنوى وجبلة بن عبدالله الخثعمي وقد جاؤكم في مثل الشوك والشجر
اتاكم عدد كثير وحد حديد وايم الله لقل ما رأيت رجالا هم أحسن هيئة ولا عدة ولا اخلق لكل خير من رجال اراهم معك ولكنه قد بلغني انه قد اقبلت اليكم عدة لا تحصى فقال ابن صرد على الله توكلنا وعليه فليتوكل المتوكلون . ثم قال له زفر
فهل لكم في أمر أعرضه عليكم لعل الله أن يجعل لنا و لكم فيه خيرا ان شئتم فتحنا لكم مدينتنا فدخلتموها فكان أمرنا واحدا و أيدينا واحدة وان شئتم نزلتم على باب مدينتنا وخرجنا فعسكرنا إلى جانبكم فإذا جاءنا هذا العدو قاتلناهم جميعا فقال سليمان
لزفر قد ارادنا أهل مصر على مثل ما اردتنا عليه وذكروا مثل الذي ذكرت وكتبوا الينا به بعد ما فصلنا فلم يوافقنا ذلك فلسنا فاعلين . فقال زفر فانظروا ما أشير به عليكم فاقبلوه وخذوا به فاني للقوم عدو واجب أن يجعل الله عليهم الدائرة وانا لكم واد
أحب أن يحوطكم الله بالعافية ان القوم قد فصلوا من الرقة فبادروهم إلى عين الوردة فاجعلوا المدينة في ظهوركم ويكون الرستاق والماء والمادة في ايديكم وما بين
- ص 297 -
مدينتنا ومدينتكم فأنتم له آمنون والله لو أن خيولي كرجالي لا مددتكم أطووا المنازل الساعة إلى عين الوردة فان القوم يسيرون سيرا لعساكر وأنتم على خيول والله لقل ما رأيت جماعة خيل قط اكرم منها تأهبوا لها من يومكم هذا فاني أرجوا ان
تسبقوهم إليها وان بدرتموهم إلى عين الوردة فلا تقاتلوهم في فضاء ترامونهم وتطاعنونهم فانهم أكثر منكم فلا آمن أن يحيطوا بكم فلا تقفوا لهم ترامونهم وتطاعنونهم فانه ليس لكم مثل عددهم فان استهدفتم لهم لم يلبثوكم أن يصرعوكم ولا تصفوا لهم
حين تلقونهم فاني لا ارى معكم رجالة ولا اراكم كلكم الا فرسانا والقوم لاقوكم بالرجال والفرسان فالفرسان يحمى رجالها والرجال يحمى فرسانها وأنتم ليس لكم رجال يحمى فرسانكم فالقوهم في الكتائب والمقانب ثم بثوها ما بين ميمنتهم وميسرتهم
واجعلوا مع كل كتيبة كتيبة إلى جانبها فان حمل على احدى الكتيبتين ترجلت الاخرى فنفست عنها الخيل والرجال ومتى شاءت كتيبة ارتفعت ومتى ما شاءت كتيبة انحطت ولو كنتم في صف واحد فزحفت اليكم الرجال فدفعتم عن الصف انتقض
وكانت الهزيمة ثم وقف فودعهم وسأل الله أن يصحبهم وينصرهم فأثنى الناس عليه ودعوا له . فقال له سليمان بن صرد نعم المنزول به أنت اكرمت النزول و أحسنت الضيافة ونصحت في المشورة ثم ان القوم جدوا في المسير فجعلوا يجعلون كل
مرحلتين مرحلة قال فمررنا بالمدن حتى بلغنا ساعا ثم ان سليمان بن صرد عبى الكتائب كما أمره زفر ثم أقبل حتى انتهى إلى عين الوردة فنزل في غربيها وسبق القوم إليها فعسكروا وأقام بها خمسا لا يبرح
- ص 298 -
واستراحوا واطمأنوا واراحوا خيلهم .
( قال هشام ) قال أبو مخنف عن عطية بن الحارث عن عبدالله بن غزية قال أقبل اهل الشام في عساكرهم حتى كانوا من عين الوردة على مسيرة يوم وليلة قال عبدالله ابن غزية فقام فينا سليمان فحمد الله فأطال و أثنى عليه فاطنب ثم ذكر السماء
والارض والجبال والبحار وما فيهن من الآيات وذكر الاء الله ونعمه وذكر الدنيا فزهد فيها وذكر الآخرة فرغب فيها فذكر من هذا ما لم أحصه ولم أقدر على حفظه ثم قال : اما بعد فقد اتاكم الله بعدوكم الذي دأبتم في المسير إليه آناء الليل والنهار
تريدون فيما تظهرون التوبة النصوح ولقاء الله منذرين فقد جاءوكم بل جئتموهم أنتم في دارهم وحيزهم فإذا لقيتموهم فاصدقوهم واصبروا ان الله مع الصابرين ولا يولينهم امرؤ دبره إلى متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة لا تقتلوا مدبرا ولا
تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيرا من أهل دعوتكم الا أن يقاتلكم بعد أن تأسروه أو يكون من قتلة اخواننا بالطف رحمة الله عليهم فان هذه كانت سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في أهل هذه الدعوة .
ثم قال سليمان : ان أنا قتلت فأمير الناس المسيب بن نجبة فان أصيب المسيب فأمير الناس عبدالله بن سعد ابن نفيل فان قتل عبدالله بن سعد فأمير الناس عبدالله بن وال فان قتل عبدالله ابن وال فأمير الناس رفاعة بن شداد رحم الله امرءا صدق ما
عاهد الله عليه ثم بعث المسيب بن نجبة في أربعمائة فارس ثم قال سر حتى تلقى أول عسكر من عساكرهم فشن فيهم الغارة فإذا رأيت ما تحبه والا انصرفت إلى في أصحابك واياك
- ص 299 -
ان تنزل أو تدع أحدا من اصحابك ان ينزل أو يستقبل آخر ذلك حتى لا تجد منه بدا .
( قال أبو مخنف ) فحدثني أبي عن حميد بن مسلم انه قال اشهد اني في خيل المسيب ابن نجبة تلك إذا اقبلنا نسير آخر يومنا وليلتنا حتى إذا كان في آخر السحر نزلنا فعلقنا على دوابنا مخاليها ثم هومنا تهويمة بمقدار تكون مقدار قضمها ثم ركبناها
حتى إذا انبلج لنا الصبح نزلنا فصلينا ثم ركب فركبنا فبعث أبا الجويرية العبدى ابن الاحمر في مائة من أصحابه وعبد الله بن عوف بن الاحمر في مائة وعشرين وحنش بن ربيعة أبا المعتمر الكنانى في مثلها وبقى هو في مائة ثم قال انظروا أول من
تلقون فأتوني به فكان اول من لقينا أعرابي يطرد أحمرة وهو يقول :
يا مال لا تعجل إلى صحبى * واسرح فانك آمن السرب
قال يقول عبدالله بن عوف بن الاحمر يا حميد بن مسلم أبشر بشرى ورب الكعبة فقال له ابن عوف بن الاحمر ممن أنت يا اعرابي قال أنا من بني تغلب قال غلبتم ورب الكعبة ان شاء الله فانتهى الينا المسيب بن نجبة فأخبرناه بالذي سمعنا من
الاعرابي واتيناه به فقال المسيب بن نجبة اما لقد سررت بقولك ابشر وبقولك يا حميد بن مسلم واني لارجو ان تبشروا بما يسركم وانما سركم ان تحمدوا أمركم وان تسلموا من عدوكم وان هذا الفأل هو الفأل الحسن . وقد كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعجبه الفأل ثم قال المسيب بن نجبة للاعرابي كم بيننا وبين ادنى هؤلاء القوم منا قال ادنى عسكر من عساكرهم منك عسكر ابن ذي الكلاع وكان بينه وبين الحصين
- ص 300 -
اختلاف ادعى الحصين انه على جماعة الناس . وقال ابن ذي الكلاع : ما كنت لتولى على وقد تكاتبا إلى عبيدالله بن زياد فهما ينتظران امره فهذا عسكر ابن ذي الكلاع منكم على رأس ميل قال فتركنا الرجل فخرجنا نحوهم مسرعين فوالله ما
شعروا حتى اشرفنا عليهم وهم غارون فحملنا في جانب عسكرهم فوالله ما قاتلوا كثير قتال حتى انهزموا فأصبنا منهم رجالا وجرحنا فيهم فأكثرنا الجراح وأصبنا لهم دواب وخرجوا عن عسكرهم وخلوه لنا فأخذنا منه ما خف علينا فصاح المسيب فينا
الرجعة انكم قد نصرتم وغنمتم وسلمتم فانصرفوا فانصرفنا حتى أتينا سليمان قال فاتى الخبر عبيدالله بن زياد فسرح الينا الحصين بن نمير مسرعا حتى نزل في اثنى عشر ألفا فخرجنا إليهم يوم الاربعاء لثمان بقين من جمادى الاولى . فجعل
سليمان بن صرد عبدالله بن سعد بن نفيل على ميمنته وعلى ميسرته المسيب بن نجبة ووقف هو في القلب وجاء حصين بن نمير وقد عبا لنا جنده فجعل على ميمنته جبلة ابن عبدالله وعلى ميسرته ربيعة بن المخارق الغنوى . ثم زحفوا الينا فلما دنوا
دعونا إلى الجماعة على عبدالملك بن مروان والى الدخول في طاعته ودعوناهم إلى ان يدفعوا الينا عبيدالله بن زياد فنقتله ببعض من قتل من اخواننا وان يخلعوا عبدالملك ابن مروان والى ان يخرج من بلادنا من آل ابن الزبير ثم نرد هذا الامر إلى اهل بيت نبينا الذين آتانا الله من قبلهم بالنعمة والكرامة فابى القوم وأبينا
- ص 301 -
قال حميد بن مسلم : فحملت ميمنتنا على ميسرتهم وهزمتهم وحملت ميسرتنا على ميمنتهم وحمل سليمان في القلب على جماعتهم فهزمناهم حتى اضطررناهم إلى عسكرهم فما زال الظفر لنا عليهم حتى حجز الليل بيننا وبينهم . ثم انصرفنا عنهم
وقد أحجزناهم في عسكرهم فلما كان الغد صبحهم ابن ذي الكلاع في ثمانية آلاف امدهم بهم عبيدالله بن زياد وبعث إليه يشتمه ويقع فيه ويقول انما عملت عمل الاغمار تضيع عسكرك ومساخك سر إلى الحصين بن نمير حتى توافيه وهو على الناس
فجاءه فغدوا علينا وغاديناهم فقاتلناهم قتالا لم ير الشيب والمرد مثله قط يومنا كله لا يحجز بيننا وبين القتال الا الصلاة حتى أمسينا فتحا جزنا وقد والله اكثر وافينا الجراح وأفشيناها فيهم . قال وكان فينا قصاص ثلاثة رفاعة بن شجاد البجلى وصحير
بن حذيفة بن هلال بن مالك المرى وأبو الجويرية العبدى فكان رفاعة يقص ويحضض الناس في اليمنة لا يبرحها وجرح ابو الجويرية اليوم الثاني في اول النهار فلزم الرحال وكان صحير ليلة كلها يدور فينا ويقول ابشروا عبدالله بكرامة الله
ورضوانه فحق والله لمن ليس بينه وبين لقاء الاحبة ودخول الجنة والراحة من ابرام الدنيا وإذا ها الافراق هذه النفس الامارة بالسوء ان يكون بفاقها سخيا وبلقاء ربه مسرورا فمكثنا كذلك حتى اصبحنا وأصبح بن نمير وأدهم بن محرز الباهلى في نحو
من عشرة آلاف فخرجوا الينا فاقتتلنا اليوم الثالث يوم الجمعة قتالا شديدا إلى ارتفاع الضحى
- ص 302 -
ثم ان اهل الشام كثرونا وتعطفوا علينا من كل جانب ورأى سليمان بن صرد ما لقى اصحابه فنزل فنادى عباد الله من اراد البكور إلى ربه والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده فالى ثم كسر جفن سيفه ونزل معه ناس كثير فكثروا جفون سيوفهم ومشوا
معه وانزوت خيلهم حتى اختطلت مع الرجال فقاتلوهم حتى نزلت الرجال تشتد مصلتة بالسيوف وقد كسروا الجفون فحمل الفرسان على الخيل ولا يثبتون فقاتلوهم وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة وجرحوا فيهم فأكثروا الجراح فلما رأى الحصين
بن نمير صبر القوم وبأسهم بعث الرجال ترميهم بالنبل واكتفتهم الخيل و الرجال فقتل سليمان بن صرد رحمه الله رماه يزيد ابن الحصين بسهم فوقع ثم وثب ثم وقع قال فلما قتل سليمان بن صرد أخذ الراية المسيب بن نجبة وقال لسليمان بن صرد
رحمك الله يا أخي فقد صدقت ووفيت بما عليك وبقى ما علينا ثم اخذ الراية فشد بها فقاتل ساعة ثم رجع ثم شد بها فقاتل ثم رجع ففعل ذلك مرارا يشد ثم يرجع ثم قتل رحمه الله .
( قال أبو مخنف ) وحدثنا فروة بن لقيط عن مولى للمسيب بن نجبة الفزارى قال لقيته بالمدائن وهو مع شبيب بن يزيد الخارجي فجرى الحديث حتى ذكرنا أهل عين الوردة قال هشام عن ابي مخنف قال حدثنا هذا الشيخ عن المسيب بن نجبة قال
والله ما رايت اشجع منه انسانا قط ولا من العصابة التي كان فيهم ولقد رأيته يوم عين الوردة يقاتل قتالا شديدا ما ظننت أن رجلا واحدا يقدرا يبلى مثل ما ابلى ولا ينكأ في عدوه مثل مانكأ لقد قتل رجالا قال وسمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتلهم .
- ص 303 -
قد علمت ميالة الذوائب * واضحة اللبات والترائب
اني غداة الروع والتغالب * اشجع من ذي لبد مواثب
قطاع أقران مخوف الجانب
قال أبو مخنف حدثني ابي وخالي عن حميد بن مسلم وعبد الله بن غزية قال أبو مخنف وحدثني يوسف بن يزيد عن عبدالله بن عوف قال لما قتل المسيب بن نجبة أخذ الراية عبدالله بن سعد بن نفيل ثم قال رحمه الله أخوى منهم من قضى نحبه ومنهم
من ينتظر وما بدلوا تبديلا وأقبل بمن كان معه من الازد فحفوا برايته فوالله أنا لكذلك أذ جاءنا فرسان ثلاثة عبدالله بن الخضل الطائي وكثير بن عمرو المزني وسعر بن أبي سعر الحنفي كانوا خرجوا مع سعد بن حذيفة بن اليمان في سبعين ومأة من
أهل المدائن فسرحهم يوم خرج في آثارنا على خيول مقلمة مقدحة فقال لهم اطووا المنازل حتى تحلقوا باخواننا فتبشروهم بخروجنا إليهم لتشتد بذلك ظهورهم وتخبروهم بمجئ أهل البصرة أيضا كان المثنى بن مخربة العبدى أقبل في ثلاثمائة من
أهل البصرة فجاء حتى نزل مدينة بهرسير بعد خروج سعد بن حذيفة من المدائن لخمس ليال وكان خروجه من البصرة قبل ذلك قد بلغ سعد بن حذيفة قبل أن يخرج من المدائن . فلما انتهوا الينا قالوا أبشروا فقد جاءكم أخوانكم من أهل المدائن وأهل
البصرة فقال عبدالله بن سعد بن نفيل ذلك لو جاؤنا ونحن أحياء قال فنظروا الينا فلما رأوا مصارع أخوانهم وما بنا من الجراح بكى القوم وقالوا وقد بلغ منكم ما نرى انا لله وانا إليه راجعون قال فنظروا والله إلى ما ساء
- ص 304 -
أعينهم فقال لهم عبدالله بن نفيل أنا لهذا خرجنا ثم اقتتلنا فما اضطربنا الا ساعة حتى قتل المزني وطعن الحنفي فوقع بين القتلى ثم ارتث بعد ذلك فنجا وطعن الطائي فجزم أنفه فقاتل قتالا شديدا وكان فارسا شاعرا فاخذ يقول : قد علمت ذات القوام الرود * ان لست بالواني ولا الرعديد يوما ولا بالفرق الحيود
قال فحمل علينا ربيعة بن المخارق حملة منكرة فاقتتلنا قتالا شديدا ثم انه اختلف هو وعبد الله بن سعد بن نفيل ضربتين فلم يصنع سيفاهما شيئا واعتنق كل واحد منهما صاحبه فوقعا إلى الارض ثم قاما فاضطربا ويحمل ابن أخي ربيعة بن المخارق
على عبدالله بن سعد فطعنه في ثغرة نحره فقتله ويحمل عبدالله بن عوف ابن الاحمر على ربيعة بن المخارق فطعنه فصرعه فلم يصب مقتلا فقام فكر عليه الثانية فطعنه اصحاب ربيعة فصرعوه . ثم ان اصحابه استنقذوه وقال خالد بن سعد ابن نفيل
أروني قاتل أخي فأريناه ابن أخي ربيعة بن المخارق فحمل عليه فقنعه بالسيف واعتنقه الآخر فخر إلى الارض فحمل أصحابه وحملنا وكانوا أكثر منا فاستنقذوا صاحبهم وقتلوا صاحبنا وبقيت الرأية ليس عندها احد قال فنادينا عبدالله بن وال بعد
قتلهم فرساننا فإذا هو قد استلحم في عصابة معه إلى جانبنا فحمل عليه رفاعة بن شداد فكشفهم عنه ثم أقبل إلى رايته وقد أمسكها عبدالله ابن حازم الكندى فقال لابن وال أمسك عني رأيتك قال امسكها عني رحمك الله فاني بي مثل حالك فقال له أمسك عني رأيتك فاني أريد أن اجاهد
- ص 305 -
قال فان هذا الذي أنت فيه جهاد وأجر قال فصحنا يا أبا عزة اطع أميرك يرحمك الله قال فأمسكها قليلا ثم ان ابن وال أخذها منه .
( قال أبو مخنف ) قال أبو الصلت التيمى الاعور حدثني شيخ للحى كان معه يومئذ قال قال لنا ابن وال من اراد الحياة التي ليس بعدها موت والراحة التي ليس بعدها نصب والسرور الذي ليس بعده حزن فليتقرب إلى ربه بجهاد هؤلاء المحلين
والرواح إلى الجنة رحمكم الله وذلك عند العصر فشد عليهم وشددنا معه فأصبنا والله منهم رجالا وكشفنا طويلا ثم انهم بعد ذلك تعطفوا علينا من كل جانب فحازونا حتى بلغوا بنا المكان الذي كنا فيه وكنا بمكان لا يقدرون ان يأتونا فيه الا من وجه واحد وولى قتالنا عند المساء ادهم بن محرز الباهلى فشد علينا في خيله ورجاله فقتل عبدالله بن وال التيمى .
( قال أبو مخنف ) عن فروة بن لقيط قال سمعت ادهم بن محرز الباهلى في امارة الحجاج بن يوسف وهو يحدث ناسا من اهل الشام قال دفعت إلى احد امراء العراق رجل منهم يقولون له عبدالله بن وال وهو يقول لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين الايات الثلاث قال فغاظني فقلت في نفسي هؤلاء يعدوننا بمنزلة اهل الشرك يرون ان من قتلنا منهم كان شهيدا فحملت عليه فاضرب يده اليسرى فاطننتها وتنحيت قريبا فقلت له اما اني اراك وددت انك في
اهلك فقال بئسما رأيت اما والله ما احب انها يدك الان الا ان يكون لي فيها من الاجر مثل ما في يدى قال فقلت له لم . قال لكيما يجعل الله عليك وزرها ويعظم لي اجرها قال فغاظني
- ص 306 -
فجمعت خيلى ورجالي ثم حملنا عليه وعلى اصحابه فدفعت إليه فطعنته فقتلته وانه لمقبل إلى ما يزول فزعموا بعد انه كان من فقهاء اهل العراق الذين كانوا يكثرون الصوم والصلاة ويفتون الناس .
( قال أبو مخنف ) وحدثني الثقة عن حميد بن مسلم وعبد الله بن غزية قال لما هلك عبدالله بن وال نظرنا فإذا عبدالله بن خازم قتيلا إلى جنبه ونحن نرى أنه رفاعة بن شداد البجلى فقال رجل من بني كنانة يقال له الوليد بن غضين امسك رايتك .
قال لا اريدها فقلت له اناا لله مالك فقال ارجعوا بنا لعل الله يجمعنا ليوم شر لهم فوثب عبدالله بن عوف بن الاحمر إليه فقال أهلكتنا والله لئن انصرفت ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك من عند آخرنا فان نجا منا ناج أخذه الاعراب وأهل القرى
فتقربوا إليهم به فيقتل صبرا أنشدك الله أن تفعل هذه الشمس قد طفلت للمغيب . وهذا الليل قد غشينا فنقاتلهم على خيلنا هذه فانا الان ممتنعون فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا اول الليل فرمينا بها فكان ذلك الشأن حتى نصبح ونسير ونحن على مهل
فيحمل الرجل منا جريحه وينتظر صاحبه وتسير العشرة والعشرون معا ويعرف الناس الوجه الذي يأخذون فيتبع فيه بعضهم بعضا ولو كان الذي ذكرت لم تقف ام على ولدها ولم يعرف رجل وجهه ولا أين يسقط ولا أين يذهب ولم نصبح الا ونحن
بين مقتول ومأسور فقال له رفاعة بن شداد فانك نعم ما رأيت . قال ثم أقبل رفاعة على الكنانى فقال له اتمسكها ام آخذها منك فقال له الكناني اني لا اريد ما تريد اني اريد لقاء ربي واللحاق باخواني
- ص 307 -
والخروج من الدنيا إلى الاخرة وأنت تريد ورق الدنيا وتهوى البقاء وتكره فراق الدنيا اما والله اني لا احب لك ان ترشد ثم دفع إليه الراية وذهب ليستقدم . فقال له ابن أحمر قاتل معنا ساعة رحمك الله ولا تلق بيدك إلى التهلكة فما زال به يناشده
حتى احتبس عليه واخذ اهل الشام يتنادون ان الله قد أهلكهم فاقدموا عليهم فافرغوا منهم قبل الليل فاخذوا يقدمون عليهم فيقدمون على شوكة شديدة ويقاتلون فرسانا شجعانا ليس فيهم سقط رجل وليسوا لهم بمضجرين فيتمكنوا منهم فقاتلوهم حتى
العشاء قتالا شديدا وقتل الكناني قبل المساء . وخرج عبدالله بن عزيز الكندى ومعه ابنه محمد غلام صغير فقال يا أهل الشام هل فيكم أحد من كندة فخرج إليهم منهم رجال فقالوا نعم نحن هؤلاء فقال لهم دونكم أخيكم فابعثوا به إلى قومكم بالكوفة فانا
عبدالله بن عزيز الكندى . فقالوا له أنت ابن عمنا فانك آمن فقال لهم والله لا ارغب عن مصارع اخواني الذين كانوا للبلاد نورا والارض أوتادا وبمثلهم كان الله يذكر قال فاخذ ابنه يبكى في اثر ابيه . فقال يا بني لو أن شيئا كان آثر عندي من طاعة
ربي إذا لكنت انت وناشده قومه الشأميون لما رأوا من جزع ابنه وبكاءه في أثره وأروا الشأميون له ولابنه رقة شديدة حتى جزعوا وبكوا ثم اعتزل الجانب الذي خرج إليه منه قومه فشد على صفهم عند المساء فقاتل حتى قتل .
( قال أبو مخنف ) حدثني فضيل بن حديج قال حدثني مسلم بن زحر
- ص 308 -
الخولاني ان كريب بن زيد الحميري مشى إليهم عند المساء ومعه راية بلقاء في جماعة قلما تنقص من مائة رجل ان نقصت وقد كانوا تحدثوا بما يريد رفاعة ان يصنع إذا امسى فقال لهم الحميري وجمع إليه رچالا من حمير وهمدان فقال عباد الله
روحوا إلى ربكم والله ما في شئ من الدنيا خلف من رضاء الله والتوبة إليه انه قد بلغني ان طائفة منكم يريدون ان يرجعوا إلى ما خرجوا منه إلى دنياهم وان هم ركنوا إلى دنياهم رجعوا إلى خطاياهم فاما انا فوالله لا اولى هذا العدو ظهرى حتى
ارد موارد اخواني فأجابوه وقالوا رأينا مثل رأيك ومضى برايته حتى دنا من القوم . فقال ابن ذي الكلاع والله اني لارى هذه الراية حميرية أو همدانية فدنا منهم فسألهم فاخبروه فقال لهم انكم آمنون فقال له صاحبهم انا قد كنا آمنين في الدنيا وانما
خرجنا نطلب امان الاخرة فقاتلوا القوم حتى قتلوا ومشى صحير بن حذيفة بن هلال بن مالك المزني في ثلاثين من مزينة . فقال لهم لا تهابوا الموت في الله فانه لاقيكم ولا ترجعوا إلى الدنيا التي خرجتم منها إلى الله فانها لا تبقى لكم ولا تزهدوا
فيما رغبتم فيه من ثواب الله ما عند الله خير لكم ثم مضوا فقاتلوا حتى قتلوا . فلما امسى الناس ورجع أهل الشام إلى معسكرهم نظر رفاعة إلى كل رجل قد عقربه والى كل جريح لا يعين على نفسه فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته كلها
حتى أصبح بالتنينير فعبر الخابور وقطع المعابر ثم مضى لا يمر بمعبر الا قطعه وأصبح الحصين بن ننمير فبعث فوجدهم قد ذهبوا فلم يبعث في آثارهم أحدا وسار بالناس فأسرع وخلف رفاعة
- ص 309 -
وراءهم ابا الجويرية العبدي في سبعين فارسا يسترون الناس فإذا مروا برجل قد سقط حمله أو بمتاع قد سقط قبضه حتى يعرفه فان طلب أو ابتغى بعث عليه فاعلمه . فلم يزالوا كذلك حتى مروا بقرقيسيا من جانب البرفبعث إليهم زفر من الطعام
والعلف مثل ما كان بعث إليهم في المرة الاولى وأرسل إليهم الاطباء وقال اقيموا عندنا ما احببتم فان لكم الكرامة والمواساة فأقاموا ثلاثا ثم زود كل امرئ منهم ما احب من الطعام والعلف قال وجاء سعد بن حذيفة بن اليمان حتى انتهى إلى هيت
فاستقبله الاعراب فأخبروه بما لقى الناس فانصرف فتلقى المثنى بن مخربة العبدى بصندوداء فأخبره فأقاموا حتى جاءهم الخير أن رفاعة قد أظلكم فخرجوا حين دنا من القرية فاستقبلوه فسلم الناس بعضهم على بعض وبكى بعضها لي بعض
وتناعوا اخوانهم فأقاموا بها يوما وليلة فانصرف اهل المدائن إلى المدائن واهل البصرة إلى البصرة واقبل اهل الكوفة إلى الكوفة فإذا المختار محبوس .
( قال هشام ) قال أبو مخنف عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن ادهم بن محرز الباهلى انه اتى عبدالملك بن مروان ببشارة الفتح قال فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : اما بعد فان الله قد أهلك من رؤس اهل العراق ملقح فتنة ورأس
ضلالة سليمان بن صرد الاوان السيوف تركت رأس المسيب بن نجبة خذاريف الا وقد قتل الله من رؤسهم رأسين عظيمين ضالين مضلين عبدالله بن سعد أخا الازد وعبد الله بن وال أخا بكر بن وائل فلم يبق بعد هؤلاء
- ص 310 -
أحد عنده دفاع ولا امتناع .
( قال هشام ) عن ابي مخنف وحدثت ان المختار مكث نحوا من خمس عشرة ليلة ثم قال لاصحابه عدوا لغازيكم هذا اكثر من عشر ودون الشهر ثم يجيئكم نبأهتر من طعن نتر وضرب هبر وقتل جم وامر رجم فمن لها انا لها لا تكذبن انا لها .
( قال أبو مخنف ) حدثنا الحصين ابن يزيد عن ابان بن الوليد قال كتب المختار وهو في السحن إلى رفاعة بن شداد حين قدم من عين الوردة اما بعد فمرحبا بالعصب الذين عظم الله لهم الاجر حين انصرفوا و رضى انصرافهم حين قفلوا اما ورب
البنية التي بناما خطا خاط منكم خطوة ولارتارتوة الا كان ثواب الله له أعظم من ملك الدنيا ان سليمان قد قضى ما عليه وتوفاه الله فجعل روحه مع ارواح الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون انى انا الامير
المأمور والامين المأمون وامير الجيش وقاتل الجبارين والمنتقم من أعداء الدين والمقيد من الاوتار فأعدوا واستعدوا وابشروا واستبشروا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والى الطلب بدماء اهل البيت والدفع عن الضعفاء و جهاد المحلين والسلام .
( قال أبو مخنف ) وحدثني أبو زهير العبسى ان الناس تحدثوا بهذا من امر المختار فبلغ ذلك عبدالله ابن يزيد وابراهيم بن محمد فخرجا في الناس حتى اتيا المختار فأخذاه .
( قال أبو مخنف ) فحدثني سليمان بن ابي راشد عن حميد بن مسلم قال لما تهيأنا للانصراف قال عبدالله بن غزية ووقف على القتلى فقال يرحمكم الله
- ص 311 -
فقد صدقتم وصبرتم وكذبنا وفررنا قال فلما سرنا واصبحنا إذا عبدالله بن غزية في نحو من عشرين قد ارادوا الرجوع إلى العدو والاستقتال فجاء رفاعة وعبد الله بن عوف بن الاحمر وجماعة الناس فقالوا لهم ننشدكم الله ان تزيدونا فلولا ونقصانا
لانزال بخير ما كان فينا مثلكم من ذوي النيات فلم يزالوا بهم كذلك يناشدونهم حتى ردوهم غير رجل من مزينة يقال له عبيدة بن سفيان رحل مع الناس حتى إذا غفل عنه انصرف حتى لقى اهل الشام فشد بسيفه يضاربهم حتى قتل .
( قال أبو مخنف ) فحدثني الحصين بن يزيد الازدي عن حميد بن مسلم الازدي قال كان ذلك المزني صديقا لي فلما ذهب لينصرف ناشدته الله فقال اما انك لم تكن لتسألني شيئا من الدنيا الا رأيت لك من الحق على ايتاء كه وهذا الذي تسألني اريد
الله به قال ففارقني حتى لفى القوم فقتل قال فوالله ما كان شئ باحب إلى من ان القى انسانا يحدثني عنه كيف صنع حين لقى القوم قال فلقيت عبدالملك ابن جزء بن الحدر جان الازدي بمكة فجرى حديث بيننا جرى ذكر ذلك اليوم فقال اعجب ما رأيت
يوم عين الوردة بعد هلاك القوم ان رجلا اقبل حتى شد علي بسيفه فخرجنا نحوه قال فانتهى إليه وقد عقربه وهو يقول :
انى من الله إلى الله افر * رضوانك اللهم ابدى واسر
قال فقلنا له من انت قال من بني آدم قال فقلنا ممن قال لا احب ان اعرفكم ولا ان تعرفوني يا مخربى البيت الحرام قال فنزل إليه سليمان بن عمرو بن محصن الازدي من بني الخيار قال وهو يومئذ من اشد الناس قال فكلاهما اثخن صاحبه قال وشد الناس عليه من كل جانب فقتلوه قال فوالله
- ص 312 -
ما رايت واحدا قط هو اشد منه قال فلما ذكر لي وكنت احب ان اعلم علمه دمعت عيناى فقال أبينك وبينه قرابة فقلت له لا ذلك رجل من مضر كان لي ودا واخا فقال لي لا ارقأ الله دمعك اتبكى على رجل من مضر قتل على ضلالة . قال قلت لا
والله ما قتل على ضلالة ولكنه قتل على بينة من ربه وهدى فقال لي ادخلك الله مدخله قلت آمين وادخلك الله مدخل حصين بن نمير ثم لاارقأ الله لك عليه دمعا ثم قمت وقام وكان مما قيل من الشعر في - ذلك قول اعشى همدان وهي احدى المكتمات كن يكتمن في ذلك الزمان .
الم خيال منك يا ام غالب * فحبيت عنا من حبيب مجانب
وما زلت لي شجواوما زلت مقصدا * لهم عرانى من فراقك ناصب
فما انس لا انس انفتالك في الضحى * الينا مع البيض الوسام الخراعب
تراءت لنا هيفاء مهضومة الحشا * لطيفة طى الكشح ريا الحقائب
مبتلة غراء رود شبابها * كشمس الضحى تنكل بين السحائب
فلما تغشاها السحاب وحوله * بدا حاجب منها وضنت بحاجب
فتلك الهوى وهي الجوى لي والمنى * فاحبب بها من خلة لم تصاقب
ولا يبعد الله الشباب وذكره * وحب تصافى المعصرات الكواعب
ويزداد ما احببته من عتابنا * لعابا وسقيا للخدين المقارب
فانى وان لم انسهن لذاكر * رزيئة مخبات كريم المناصب
توسل بالتقوى إلى الله صادقا * وتقوى الاله خير تكساب كاسب
وخلى عن الدنيا فلم يلتبس بها * وتاب إلى الله الرفيع المراتب
تخلى عن الدنيا وقال أطرحتها * فلست إليها ما حييت بآيب
- ص 313 -
وما أنا فيما يكبر الناس فقده * ويسعى له الساعون فيها براغب
فوجهه نحو الثوية سائرا * إلى ابن زياد في الجموء الكباكب
بقوم هم أهل التقية والنهى * مصاليت انجاد سراة مناجب
مضوا تاركى رأى ابن طلحة حسبه * ولم يستجيبوا للامير المخاطب
فساروا وهم من بين ملتمس التقى * وآخر مما جر بالامس تائب
فلاقوا بعين الوردة الجيش فاصلا * إليهم فحسوهم ببيض قواضب
يمانية تذر الاكف وتارة * بخيل عتاق مقربات سلاهب
فجاءهم جمع من الشام بعده * جموع كموج البحر من كل جانب
فما برحوا حتى أبيدت سراتهم * فلم ينج منهم ثم غير عصائب
وغودر أهل الصبر صرعى فاصبحوا * تعاورهم ريح الصبا والجنائب
وأضحى الخزاعى الرئيس مجدلا * كان لم يقاتل مرة ويحارب
ورأس بني شمخ وفارس قومه * شنواة والتيمي هادى الكتائب
وعمرو بن بشر والوليد وخالد * وزيد بن بكر والحليس بن غالب
وضارب من همدان كل مشيع * إذا شد لم ينكل كريم المكاسب
ومن كل قوم قد أصيب زعيمهم * وذو حسب في ذروة المجد ثاقب
أبوا غير ضرب تفلق الهام وقعه * وطعن بأطراف الا سنة صائب
وان سعيدا يوم يدمر عامرا * لاشجع من ليث بدرنا مواثب
فيا خير جيش للعراق وأهله * سقيتم روايا كل اسهم ساكب
فلا يبعدن فرساننا وحماتنا * إذ البيض أبدت عن خدام الكواعب
فان يقتلوا فالقتل اكرم ميتة * وكل فتى يوما لاحدى الشواعب
وما قتلوا حتى أثاروا عصابة * محلين ثورا كالليوث الضوارب
وقتل سليمان بن صرد ومن قتل معه بعين الوردة من التوابين في شهر ربيع الاخر
كتابة المختار إلى أصحاب سليمان بن صرد بعد قتله ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 314 : -
( ذكر هشام بن محمد ) عن أبي مخنف أن فضيل بن خديج حدثه عن عبيدة ابن عمرو واسماعيل بن كثير من بني هند أن اصحاب سليمان بن صرد لما قدموا كتب إليهم المختار أما بعد فان الله اعظم لكم الاجر وحط عنكم الوزر بمفارقة القاسطين
وجهاد المحلين انكم لم تنفقوا نفقة ولم تقطعوا عقبة ولم تخطوا خطوة الا رفع الله لكم بها درجة وكتب لكم بها حسنة إلى ما لا يحصيه الا الله من التضعيف فأبشروا فاني لو قد خرجت اليكم قد جردت فيما بين المشرق والمغرب في عدوكم السيف
باذن الله فجعلتهم باذن الله ركاما وقتلتهم فذا وتؤا ما فرحب الله بمن قارب منكم واهتدى ولا يبعد الله الا من عصى وأبى السلام يا اهل الهدى .
فجاءهم بهذا الكتاب سيحان بن عمرو من بني ليس من عبدالقيس قد ادخله في قلنسوته فيما بين الظهارة والبطانة فأتى بالكتاب رفاعة ابن شداد والمثنى بن مخربية العدى وسعد بن حذيفة بن اليمان ويزيد ابن انس واحمر بن شميط الاحمسي وعبد الله بن
شداد البجلى وعبد الله بن كامل فقرأ عليهم الكتاب فبعثوا إليه ابن كامل فقالوا قل له قد قرأنا الكتاب ونحن حيث يسرك . فان شئت ان نأتيك نخرجك فعلنا فأتاه فدخل عليه السجن فأخبر بما ارسل إليه به فسر باجتماع الشيعة له وقال لهم لا تزيد واهذافاني
- ص 315 -
اخرج في ايامي هذه قال وكان المختار قد بعث غلاما يدعى زربيا إلى عبدالله بن عمر بن الخطاب وكتب إليه أما بعد فاني قد حبست مظلوما وظن بي الولاة ظنونا كاذبة فاكتب في يرحمك الله إلى هذين الظالمين كتابا لطيفا عسى الله أن يخلصني من
أيديهما بلطفك وبركتك وبمنك والسلام عليك فكتب اليهما عبدالله بن عمر اما بعد فقد علمتما الذي بيني وبين المختار بن أبي عبيد من الصهر والذي بيني وبينكما من الود فأقسمت عليكما بحق ما بيني وبينكما لما خليتما سبيله حين تنظر ان في كتابي
هذا والسلام عليكما ورحمة الله فلما أتى عبدالله بن يزيد وابراهيم بن محمد بن طلحة كتاب عبدالله بن عمر دعوا للمختار بكفلاء يضمنونه بنفسه فأتاه أناس من اصحابه كثير فقال يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم لعبد الله ابن يزيد ما تصنع بضمان
هؤلاء كلهم ضمنه عشرة منهم أشرافا معروفين ودع سائرهم ففعل ذلك فلما ضمنوه ودعا به عبدالله بن يزيد وابراهيم بن محمد بن طلحة فحلفاه بالله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم لا يبغيهما غائلة ولا يخرج عليهما ما كان
لهما سلطان فان هو فعل فعليه ألف بدنه ينحرها لدى رتاج الكعبة ومماليكة كلهم ذكرهم وأنثاهم احرار فحلف لهما بذلك ثم خرج فجاء داره فنزلها
( قال أبو مخنف ) فحدثني يحيى بن أبي عيسى عن حميد بن مسلم قال سمعت المختار بعد ذلك يقول قاتلهم الله ما احمقهم حين يرون أني أفى لهم بايمانهم هذه اما حلفى لهم بالله فانه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت ما هو خير منها ان ادع ما حلفت عليه وآتى الذي هو
- ص 316 -
خير واكفر يميني وخروجي عليهم خبر من كفى عنهم واكفر يميني واما هدى ألف بدنة فهو أهون على من بصقة وما ثمن الف بدنة فيهولني واما عتق مماليكي فوالله لوددت أنه قد استتب لي امرى ثم لم املك مملوكا أبدا . قال ولما نزل المختار
داره عند خروجه من السجن اختلف إليه الشيعة واجتمعت عليه واتفق رأيها على الرضى به وكان يبايع له الناس وهو في السجن خمسة نفر السائب بن مالك الاشعري ويزيد بن أنس واحمر بن شميط ورفاعة بن شداد الفتياني وعبد الله بن شداد
الجشمى قال فلم تزل اصحابه يكثرون وامره يقوى ويشتد حتى عزل ابن الزبير عبدالله بن يزيد وابراهيم بن محمد بن طلحة وبعث عبدالله بن مطيع على عملهما إلى الكوفة .
( قال أبو مخنف ) فحدثني الصقعب بن زهير عن عمر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام قال دعا ابن الزبير عبدالله بن مطيع أخا بني عدي بن كعب والحارث بن عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي فبعث عبدالله بن مطيع على الكوفة وبعث الحارث
بن عبدالله بن أبي ربيعة على البصرة قال فبلغ ذلك بحير بن ريسان الحميري فلقيهما فقال لهما يا هذان ان القمر الليلة بالناطح فلا تسيرا فأما ابن ابي ربيعة فاطاعه فأقام يسيرا ثم شخص إلى عمله فسلم وأما عبدالله بن مطيع فقال له وهل نطلب
الا النطح قال فلقى والله نطحا وبطحا قال يقول عمرو البلاء موكل بالقول . قال عمر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بلغ عبدالملك بن مروان أن ابن الزبير بعث عمالا على البلايا فقال من بعث على البصرة
- ص 317 -
فقيل بعث عليها الحارث بن عبدالله بن أبي ربيعة قال لا حر بوادي عوف بعث عوفا وجلس ثم قال من بعث على الكوفة قالوا عبدالله بن مطيع قال حازم وكثيرا ما يسقط وشجاع وما يكره أن يفرقال من بعث على المدينة قالوا بعث أخاه مصعب بن الزبير قال ذاك الليث النهد وهو رجل أهل بيته .
( قال هشام ) قال أبو مخنف وقدم عبدالله بن مطيع الكوفة في رمضان سنة 65 يوم الخميس لخمس بقين من شهر رمضان فقال لعبدالله بن يزيد ان أحببت أن تقم معى أحسنت صحبتك وأكرمت مثواك وان لحقت بأمير المؤمنين عبدالله بن الزبير فبك
عليه كرامة وعلى من قبله من المسلمين وقال لابراهيم بن محمد بن طلحة الحق بأمير المؤمنين فخرج ابراهيم حتى قدم المدينة وكسر على ابن الزبير الخراج وقال انما كانت فتنة فكف عنه ابن الزبير قال وأقام ابن مطيع على الكوفة على الصلاة والخراج وبعث على شرطته اياس بن مضارب العجلى وأمره ان يحسن السيرة والشدة على المريب .
( قال أبو مخنف ) فحدثني حصيرة ابن عبدالله بن الحارث بن دريد الازدي وكان قد ادرك ذلك الزمان وشهد قتل مصعب بن الزبير قال اني لشاهد المسجد حيث قدم عبدالله بن مطيع فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه . وقال اما بعد فان امير المؤمنين
عبدالله بن الزبير بعثني على مصركم وثغوركم وامرني بجباية فيئكم وان لا احمل فضل فيئكم عنكم الا برضى منكم ووصية عمر بن الخطاب التي اوصى بها عند وفاته وبسيرة عثمان ابن
- ص 318 -
عفان التي سار بها في المسلمين فاتقوا الله واستقيموا ولا تختلفوا وخذوا على ايدى سفهائكم والا تفعلوا فلوموا انفسكم ولا تلوموني فوالله لاوقعن بالسقيم العاصى ولاقيمن درأ الاصعر المرتاب فقام إليه السائب بن مالك الاشعري . فقال اما امر ابن
الزبير اياك ان لا تحمل فضل فيئنا عنا الا برضانا فانا نشهدك انا لا نرضى ان تحمل فضل فيئنا عنا وان لا يقسم الا فينا وان لا يسار فينا الا بسيرة علي بن ابي طالب التي سار بها في بلادنا هذه حتى هلك رحمة الله عليه ولا حاجة لنا في سيرة
عثمان في فيئنا ولا في انفسنا فانها انما كانت اثرة وهوى ولا في سيرة عمر بن الخطاب في فيئنا وان كانت اهون السيرتين علينا ضرا وقد كان لا يألوا الناس خيرا . فقال يزيد بن انس صدق السائب بن مالك وبررأينا مثل رأيه وقولنا مثل قوله فقال
ابن مطيع نسير فيكم بكل سيرة احببتموها وهويتموها ثم نزل فقال يزيد بن انس الاسدي ذهبت بفضلها يا سائب لا يعدمك المسلمون اما والله لقد قمت واني لاريد ان اقوم فاقول له نحوا مقالتك وما احب ان الله ولى الرد عليه رجلا من اهل المصر
ليس من شيعتنا وجاء اياس بن مضارب إلى ابن مطيع . فقال له السائب بن مالك من رؤس اصحاب المختار ولست آمن المختار فابعث إليه فليأتك فإذا جاءك فاحبسه في سجنك حتى يستقيم امر الناس فان عيوني قد اتتنى فخبرتني ان امره قد
استجمع له وكانه قد وثب بالمصر قال فبعث إليه ابن مطيع زائدة بن قدامة وحسين بن عبدالله البرسمى من همدان فدخلا عليه فقالا اجب الامير فدعا بثيابه وامر
- ص 319 -
باسراج دابته وتخشخش للذهاب معهما فلما رأى زائدة بن قدامة ذلك قرأ قول الله تبارك وتعالى . ( واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبوتك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) . ففهمها المختار فجلس ثم القى ثيابه عنه ثم قال
القوا على القطيفة ما أراني الا قد وعكت اني لاجد قفقفة شديدة ثم تمثل قول عبدالعزى بن صهل الازدي . إذا ما معشر تركوا نداهم * ولم يأتوا الكريهة لم يهابوا ارجعا إلى ابن مطيع فأعلماه حالى التي أنا عليها فقال له زائدة بن قدامة أما أنا ففاعل وأنت يا اخا همدان فاعذرني عنده فانه خير لك .
( قال أبو مخنف ) فحدثني اسماعيل بن نعيم الهمداني عن حسين بن عبدالله قال قلت في نفسي والله ان أنا لم ابلغ عن هذا ما يرضيه ما أنا بآمن من أن يظهر غدا فيهلكني قال فقلت له نعم انا أصنع عند ابن مطيع عذرك وأبلغه كل ما تحب فخرجنا من
عنده فإذا أصحابه على بابه وفي داره منهم جماعة كثيرة قال فأقبلنا نحو ابن مطيع فقلت لزائدة بن قدامة أما اني قد فهمت قولك حين قرأت تلك الآية وعلمت ما اردت بها وقد علمت أنها هي ثبطة عن الخروج معنا بعد ما كان قد لبس ثيابه وأسرج
دابته وعلمت حين تمثل البيت الذي تمثل انما أراد يخبرك انه قد فهم عنك ما اردت أن تفهمه وانه لن يأتيه . قال فجاحدني أن يكون أراد شيئا من ذلك فقلت له لا تحلف فوالله ما كنت لابلغ عنك ولا عنه شيئا تكرهانه ولقد علمت انك مشفق عليه تجد له
- ص 320 -
ما يجد المرء لابن عمه فأقبلنا إلى ابن مطيع فأخبرناه بعلته وشكواه فصدقنا ولهى عنه قال وبعث المختار إلى أصحابه فأخذ يجمعهم في الدور حوله وأراد ان يثب بالكوفة في المحرم فجاء رجل من اصحابه من شبام وكان عظيم الشرف يقال له
عبدالرحمن ابن شريح فلقى سعيد بن منقذ الثوري وسعر بن أبي سعر الحنفي والا سود بن جراد الكندى وقدامة بن مالك الجشمى فأجتمعوا في منزل سعر الحنفي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال . اما بعد فان المختار يريد أن يخرج بنا وقد بايعناه
ولا تدرى أرسله الينا ابن الحنفية ام لا فانهضوا بنا إلى ابن الحنفية فلنخبره بما قدم علينا به وبما دعانا إليه فان رخص لنا في اتباعه اتبعناه وان نهانا عنه اجتنبناه فوالله ما ينبغي أن يكون شئ من امر الدنيا اثر عندنا من سلامة ديننا فقالوا له ارشدك الله
فقد اصبت ووفقت اخرج بنا إذا شئت فاجمع رأيهم على ان يخرجوا من ايامهم فخرجوا فلحقوا بابن الحنفية وكان امامهم عبدالرحمن بن شريح فلما قدموا عليه سألهم عن حال الناس فخبروه عن حالهم وما هم عليه .
( قال أبو مخنف ) فحدثني خليفة بن ورقاء عن الاسود بن جراد الكندي قال قلنا لابن الحنفية ان لنا اليك حاجة قال فسر هي ام علانية قال قلنا لابل سرقال فرويدا إذا قال فمكث قليلا ثم تنحى جانبا فدعانا فقمنا إليه فبدأ عبدالرحمن بن شريح فتكلم
فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فانكم أهل بيت خصكم الله بالفضيلة وشرفكم بالنبوة وعظم حقكم على هذه الامة فلا يجهل حقكم الا مغبون الرأى مخسوس النصيب قد
- ص 321 -
أصبتم بحسين رحمة الله عليه عظمت مصيبة ما قد خصكم بها فقد عم بها المسلمون وقد قدم علينا المختار بن أبي عبيد يزعم لنا أنه قد جاءنا من تلقائكم وقد فعانا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والطلب بدماء اهل البيت والدفع عن
الضعفاء فبايعناه على ذلك ثم انا رأينا أن نأتيك فنذكر لك ما دعانا إليه وندبنا له فان امرتنا باتباعه اتبعناه وان نهيتنا عنه اجتنبناه ثم تكلمنا واحدا واحدا بنحو مما تكلم به صاحبنا وهو يسمع حتى إذا فرغنا حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي
صلى الله عليه وسلم ثم قال . اما بعد فاما ما ذكرتم مما خصصنا الله به من فضل فان الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم فلله الحمد وأما ما ذكرتم من مصيبتنا بحسين فان ذلك كان في الذكر الحكيم وهي ملحمة كتبت عليه وكرامة أهداها
الله له رفع بما كان منها درجات قوم عنده ووضع بها آخرين وكان امر الله مفعولا وكان أمر الله قدرا مقدورا واما ما ذكرتم من دعاء من دعاكم إلى الطلب بدمائنا فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه اقول قولى هذا وأستغفر
الله لي ولكم قال فخرجنا من عنده ونحن نقول قد اذن لنا قد قال لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه ولو كره لقال لا تفعلوا قال فجئنا وأناس من الشيعة ينتظرون لقدومنا ممن كنا قد أعلمناه بمخرجنا واطلعناه على ذات أنفسنا ممن
كان على رأينا من اخواننا وقد كان بلغ المختار مخرجنا فشق ذلك عليه وخشى ان ناتيه بأمر يخذل الشيعة عنه فكان قد ارادهم على ان ينهض بهم قبل قدومنا فلم يتهيأ ذلك
- ص 322 -
له فكان المختار يقول ان نفيرا منكم ارتابوا وتخيروا وخابوا فان هم اصابوا اقبلوا وانابوا وان هم كبوا وهابوا واعترضوا وانجابوا فقد ثبروا وخابوا فلم يكن الا شهرا وزيادة شئ حتى اقبل القوم على رواحلهم حتى دخلوا على المختار قبل دخولهم
إلى رحالهم فقال لهم ما وراءكم فقد فتنتم وارتبتم فقالوا له قد امرنا بنصرتك . فقال الله اكبر انا ابو اسحق اجمعوا إلى الشيعة فجمع له منهم من كان منه قريبا فقال يا معشر الشبعة ان نفرا منكم احبوا ان يعلموا مصداق ما جئت به فرحلوا إلى
امام الهدى والنجيب المرتضى ابن خير من طشى ومشى حاشا النبي المجتبى فسألوه عما قدمت به عليكم فنباهم اني وزيره وظهيره ورسوله وخليله وامركم باتباعى وطاعتي فيما دعوتكم إليه من قتال المحلين والطلب بدماء اهل بيت نبيكم المصطفين
فقام عبدالرحمن بن شريح فحمد الله واثنى عليه ثم قال . اما بعد يا معشر الشيعة فانا قد كنا اجبنا ان نستثبت لانفسنا خاصة ولجميع اخواننا عامة فقد منا على المهدى بن علي فسألناه عن حربنا هذه وعن ما دعانا إليه المختار منها فأمرنا بمظاهرته
وموازرته واجابته إلى ما دعانا إليه فأقبلنا طيبة انفسنا منشرحة صدورنا قد أذهب الله منها الشك والغل والريب واستقامت لنا بصيرتنا في قتال عدونا فليبلغ ذلك شاهدكم غائبكم واستعدوا وتاهبوا ثم جلس وقمنا رجلا فرجلا فتكلمنا بنحو من كلامه فاستجمعت له الشيعة وحدبت عليه .
- مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 323 : -
( قال أبو مخنف ) فحدثني نمير بن وعلة والمشرقي عن عامر الشعبي قال كنت انا وابي اول من اجاب المختار قال فلما تهيأ امره ودنا خروجه قال له احمر بن شميط ويزيد بن انس وعبد الله بن كامل وعبد الله بن شداد ان اشراف اهل الكوفة
مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع فان جامعنا على امرنا ابراهيم بن الاشتر رجونا باذن الله القوة على عدونا وان لا يضرنا خلاف من خالفنا فانه فتى بئيس وابن رجل شريف بعيد الصيت وله عشيرة ذات عزوعدد قال لهم المختار فالقوه فادعوه
واعلموه الذي امرنا به من الطلب بدم الحسين واهل بيته قال الشعبي فخرجوا إليه وانا فيهم وابي فتكلم يزيد بن انس فقال له انا قد آنيناك في امر نعرضه عليك وندعوك إليه فان قبلته كان خيرا لك وان تركته فقد ادينا اليك فيه النصيحة ونحن نحب ان
يكون عندك مستورا فقال لهم ابراهيم بن الاشتر وان مثلى لا تخاف غائلته ولا سعايته ولا التقرب إلى سلطانه باغتياب الناس انما اولئك الصغار الاخطار الدقاق همما فقال له انما ندعوك إلى امر قد اجمع عليه رأى الملا من الشيعة إلى كتاب الله
وسنة نبيه صلى الله عليه والطلب بدماء اهل البيت وقتال المحلين والدفع عن الضعفاء قال تكلم احمر بن شميط فقال له اني لك ناصح و لحظك محب وان اباك قد هلك وهو سيد وفيك منه ان رعيت حق الله خلف قد دعوناك إلى امران اجبتنا إليه
عادت لك منزلة ابيك في الناس واحييت من ذلك امرا قد مات . انما يكفى مثلك اليسير حتى تبلغ الغاية التي لا مذهب وراءها انه قد بنى لك أو لك فتحرى واقبل القوم كلهم عليه يدعونه إلى امرهم ويرغبونه فيه فقال لهم ابراهيم بن الاشتر فاني
قد اجبتكم إلى ما دعوتموني إليه من الطلب بدم الحسين واهل بيته على ان تولوني الامر فقالوا انت
- ص 324 -
لذلك اهل ولكن ليس إلى ذلك سبيل هذا المختار قد جاءنا من قبل المهدى وهو الرسول والمأمور بالقتال وقد امرنا بطاعته فسكت عنهم ابن الاشتر ولم يجبهم فانصرفنا من عنده إلى المختار فأخبرناه بما رد علينا قال فغبر ثلاثا .
ثم ان المختار دعا بضعة عشر رجلا من وجوه اصحابه قال الشعبى انا وابي فيهم قال فسار بنا ومضى امامنا يقد بنا بيوت الكوفة قد ألا ندري اين يريد حتى وقف على باب ابراهيم بن الاشتر فاستاذنا عليه فاذن لنا والقيت لنا وسائد فجلسنا عليها
وجلس المختار معه على فراشه فقال المختار الحمد لله واشهد ان لا اله إلا الله وصلى الله على محمد والسلام عليه اما بعد فان هذا كتاب اليك من المهدى محمد بن امير المؤمنين الوصي وهو خير اهل الارض اليوم وابن خير اهل الارض كلها قبل
اليوم بعد انبياء الله ورسله وهو يسالك ان تنصرنا وتوازرنا فان فعلت اغتبطت وان لم تفعل فهذا الكتاب حجة عليك وسيغنى الله المهدى محمدا واولياءه عنك . قال الشعبي وكان المختار قد دفع الكتاب إلى حين خرج من منزله فلما قضى كلامه قال
لي ادفع الكتاب إليه فدفعته إليه فدعا بالمصباح وفض خاتمه وقرأه فإذا هو بسم الله الرحمن الرحيم من محمد المهدى إلى ابراهيم بن مالك الاشتر سلام عليك فاني احمد اليك الله الذي لا إله الا هو . اما بعد فاني قد بعثت اليكم بوزيرى واميني
ونجيبي الذي ارتضيته لنفسي وقد أمرته بقتال عدوي والطلب بدماء اهل بيتي فانهض معه بنفسك وعشيرتك ومن اطاعك فانك ان نصرتني واجبت دعوتي وساعدت وزيري كانت لك عندي بذلك فضيلة ولك بذلك اعنة الخيل وكل جيش
- ص 325 -
غاز وكل مصر ومثير وثغر ظهرت عليه فيما بين الكوفة وأقصى بلاد أهل الشام على الوفاء بذلك على عهد الله فان فعلت ذلك نلت به عند الله أفضل الكرامة وان أبيت هلكت هلاكا لا تستقيله أبدا والسلام عليك فلما قضى ابراهيم قراءة الكتاب قال
قد كتب إلى ابن الحنفية وقد كتبت إليه قبل اليوم فما كان يكتب الي الا باسمه واسم أبيه قال له المختار ان ذلك زمان وهذا زمان قال ابراهيم فمن يعلم أن هذا كتاب ابن الحنفية إلى فقال له يزيد بن أنس وأحمر بن شميط وعبد الله بن كامل وجماعتهم
قال الشعبي الا انا وأبي فقالوا نشهد أن هذا كتاب محمد بن علي اليك فتأخر ابراهيم عند ذلك عن صدر الفراش فأجلس المختار عليه فقال ابسط يدك أبايعك فبسط المختار يده فبايعه ابراهيم ودعا لنا بفاكهة فأصبنا منها ودعا لنا بشراب من عسل
فشربنا ثم نهضنا وخرج معنا ابن الاشتر فركب مع المختار حتى دخل رحله فلما رجع ابراهيم منصرفا أخذ بيدي فقال انصرف بنا يا شعبى قال فانصرفت معه ومضى بي حتى دخل بي رحله فقال يا شعبى اني قد حفظت انك لم تشهد أنت ولا
ابوك افترى هؤلاء شهدوا على حق . قال قلت له قد شهدوا على ما رأيت وهم سادة القراء ومشيخة المصر وفرسان العرب ولا ارى مثل هؤلاء يقولون الا حقا قال فقلت له هذه المقالة وانا والله لهم على شهادتهم متهم غير أني يعجبني الخروج و انا
ارى رأى القوم وأحب تمام ذلك الامر فلم اطلعه على ما في نفسي من ذلك فقال لي ابن الاشتر اكتب لي اسماءهم فاني ليس
كلهم أعرف ودعا بصحيفة ودواة وكتب فيها .
- ص 326 -
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما شهد عليه السائب ابن مالك الاشعري ويزيد بن أنس الاسدي وأحمر بن شميط الاحمسي ومالك ابن عمرو النهدي حتى أتى على أسماء القوم ثم كتب شهدوا أن محمد بن علي كتب إلى ابراهيم بن الاشتر يأمره
بموازرة المختار ومظاهرته على قتال المحلين والطلب بدماء أهل البيت وشهد على هؤلاء النفر الذين شهدوا على هذه الشهادة شراحيل ابن عبد وهو أبو عامر الشعبى الفقيه وعبد الرحمن بن عبدالله النخعي وعامر بن شراحيل الشعبى فقلت له ما تصنع بهذا رحمك الله فقال دعه يكون قال ودعا ابراهيم عشيرته واخوانه ومن أطاعه وأقبل يختلف إلى المختار .
( قال هشام بن محمد ) قال أبو مخنف حدثني يحيى بن أبي عيسى الازدي قال كان حميد بن مسلم الاسدي صديقا لابراهيم بن الاشتر وكان يختلف إليه ويذهب به معه وكان ابراهيم يروح في كل عشية عند المساء فيأتي المختار فيمكث عنده حتى
تصوب النجوم ثم ينصرف فمكثوا بذلك يدبرون امورهم حتى اجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لاربع عشرة من ربيع الاول سنة 66 ووطن على ذلك شيعتهم ومن أجابهم . فلما كان عند غروب الشمس قام ابراهيم بن الاشتر فأذن ثم انه
استقدم فصلى بنا المغرب ثم خرج بنا بعد المغرب حين قلت أخوك أو الذئب وهو يريد المختار فأقبلنا علينا السلاح وقد أتى أياس بن مضارب عبدالله بن مطيع فقال ان المختار خارج عليك احدى الليلتين قال فخرج اياس في الشرط فبعث ابنه راشدا
إلى الكناسة وأقبل يسير حول السوق في الشط . ثم ان اياس بن مضارب دخل على ابن مطيع فقال له اني قد بعثت
- ص 327 -
ابني إلى الكناسة فلو بعثت في كل جبانة بالكوفة عظيمة رجلا من اصحابك في جماعة من أهل الطاعة هاب المريب الخروج عليك قال فبعث ابن مطيع عبدالرحمن بن سعيد بن قيس إلى جبانة السبيع وقال اكفني قومك لا أوتين من قبلك واحكم
أمر الجبانة التي وجهتك إليها لا يحدثن بها حدث فأولئك العجز والوهن وبعث كعب بن أبي كعب الخثعمي إلى جبانة بشر وبعث زحر بن قيس إلى جبانة كندة وبعث شمر بن ذي الجوشن إلى جبانة سالم وبعث عبدالرحمن بن مخنف بن سليم إلى
جبانة الصائديين . وبعث يزيد بن الحراث بن رؤيم أبا حوشب إلى جبانة مراد وأوصى كل رجل أن يكفيه قومه وأن لا يؤتى من قبله وأن يحكم الوجه الذي وجهه فيه وبعث شبث ابن ربعى إلى السبخة وقال إذا سمعت صوت القوم فوجه نحوهم فكان
هؤلاء قد خرجوا يوم الاثنين فنزلوا هذه الجبابين وخرج ابراهيم بن الاشتر من رحله بعد المغرب يريد اتيان المختار وقد بلغه ان الجبابين قد حشيت رجالا وأن الشرط قد أحاطت بالسوق والقصر .
( قال أبو مخنف ) فحدثني يحيى بن أبي عيسى عن حميد بن مسلم قال خرجت مع ابراهيم من منزله بعد المغرب ليلة الثلاثاء حتى مررنا بدار عمرو بن حريث ونحن مع ابن الاشتر كتيبة نحو من مائة علينا الدروع قد كفرنا عليها بالاقبية ونحن متقلدوا
السيوف ليس معنا سلاح الا السيوف في عواتقنا والدروع قد سترناها بأقبيتنا . فلما مررنا بدار سعيد بن قيس فجزناها إلى دار أسامة قلنا مر
- ص 328 -
بنا على دار خالد بن عرفطة ثم امض بنا إلى بحيلة فلنمر في دورهم حتى نخرج إلى دار المختار وكان ابراهيم فتى حدثا شجاعا فكان لا يكره أن يلقاهم فقال والله لامرن على دار عمرو بن حريث إلى جانب القصر وسط السوق ولارعبن به عدونا
ولارينهم هو انهم علينا قال فأخذنا على باب الفيل على دارهبار ثم أخذ ذات اليمين على دار عمرو بن حريث حتى إذا جاوزها ألفينا اياس بن مضارب في الشرط مطهرين السلاح فقال لنا من أنتم ما أنتم فقال له ابراهيم أنا ابراهيم بن الاشتر فقال
له ابن مضارب ما هذا الجمع معك وما تريد والله أن أمرك لمريب وقد بلغني أنك تمر كل عيشة ههنا وما انا بتارك حتى آتى بك الامير فيرى فيك رأيه فقال ابراهيم لا أبا لغيرك خل سبيلنا فقال كلا والله لا أفعل ومع اياس بن مضارب رجل من همدان
يقال له أبو قطن كان يكون مع امرة الشرطة فهم يكرمونه ويؤثرونه وكان لابن الاشتر صديقا . فقال له ابن الاشتر يا ابا قطن ادن مني ومع أبي قطن رمح له طويل فدنا منه أبو قطن ومعه الرمح وهو يرى أن ابن الاشتر يطلب إليه أن يشفع له إلى ابن
مضارب ليخلى سبيله فقال ابراهيم وتناول الرمح من يده ان رمحك هذا لطويل فحمل به ابراهيم على ابن مضارب فطعنه في ثغرة نحره فصرعه . وقال الرجل من قومه انزل فاحتز رأسه فنزل إليه فاحتز رأسه وتفرق أصحابه ورجعوا إلى ابن مطيع
فبعث ابن مطيع ابنه راشد بن اياس مكان أبيه على الشرطة وبعث مكان راشد بن اياس إلى الكناسة تلك الليلة سويد ابن عبدالرحمن المنقرى أبا القعقاع بن سويد وأقيل
- ص 329 -
ابراهيم بن الاشتر إلى المختار ليلة الاربعاء . فدخل عليه فقال له ابراهيم انا اتعدنا للخروج للقابلة ليلة الخميس وقد حدث أمر لا بد من الخروج الليلة قال المختار وما هو قال عرض لي أياس بن مضارب في الطريق ليحبسني بزعمه فقتلته وهذا
رأسه مع أصحابي على الباب فقال المختار فبشرك الله بخير فهذا طير صالح و هذا أول الفتح ان شاء الله فقال المختار قم يا سعيد بن منقذ فاشعل في الهرادى النيران ثم ارفعها للمسلمين وقم انت يا عبدالله بن شداد فناد يا منصور أمت وقم أنت
يا سفيان بن ليل وانت يا قدامة بن مالك فناد يا لثأرات الحسين ثم قال المختار علي بدرعي وسلاحي فأتى به فأخذ يلبس سلاح ويقول : قد علمت بيضاء حسناء الطلل * واضحة الخدين عجزاء الكفل أني غداة الروع مقدام بطل ثم ان ابراهيم قال
للمختار ان هؤلاء الرؤوس الذين وضعهم ابن مطيع في الجبابين يمنعون اخواننا ان يأتونا ويضيقون عليهم فلو أنى خرجت بمن معى من اصحابي حتى آتى قومي فيأتيني كل من قد بايعني من قومي ثم سرت بهم في نواحي الكوفة ودعوت بشعارنا
فخرج إلى من اراد الخروج الينا ومن قدر على اتيانك من الناس فمن اتاك حبسته عندك إلى من معك ولم تفرقهم . فان عوجلت فأتيت كان معك من تمتنع به وانا لو قد فرغت من هذا الامر عجلت اليك في الخيل والرجال قال له امالا فاعجل
واياك ان تسير إلى اميرهم تقاتله ولا تقاتل احدا وانت تستطيع ان لا تقاتل واحفظ
- ص 330 -
ما أوصيتك به الا ان يبدأك احد بقتال فخرج ابراهيم بن الاشتر من عنده في الكتيبة التي أقبل فيها حتى أتى قومه واجتمع إليه جل من كان بايعه وأجابه . ثم انه سار بهم في سكك الكوفة طويلا من الليل وهو في ذلك يتجنب السكك التي فيها الامراء
فجاء إلى الذين معهم اجماعات الذين وضع ابن مطيع في الجبابين وافواه الطرق العظام حتى انتهى إلى مسجد السكون وعجلت إليه خيل من خيل زحر بن قيس الجعفي ليس لهم قائد ولا عليهم امير فشد عليهم ابراهيم ابن الاشتر واصحابه
فكشفوهم حتى دخلوا جبانة كندة فقال ابراهيم من صاحب الخيل في جبانة كندة فشدا ابراهيم واصحابه عليهم وهو يقول اللهم انك تعلم انا غضبنا لاهل بيت نبيك وثرنا لهم فانصرنا عليهم وتمم لنا دعوتنا حتى انتهى إليهم هو واصحابه فخالطوهم
وكشفوهم فقيل له زحر بن قيس فقال انصرفوا بنا عنهم فركب بعضهم بعضا كلما لقيهم زقاق دخل منهم طائفة فانصرفوا يسيرون .
ثم خرج ابراهيم يسير حتى انتهى إلى جبانة اثير فوقف فيها طويلا ونادى اصحابه بشعارهم فبلغ سويد بن عبدالرحمن المنقرى مكانهم في جبانة اثير فرجا ان يصيبهم فيحظى بذلك عند ابن مطيع فلم يشعر ابن الاشتر الا وهم معه في الجبانة فلما
رأى ذلك ابن الاشتر قال لاصحابه يا شرطة الله انزلوا فانكم اولى بالنصر من الله من هؤلاء الفساق الذين خاضوا دماء اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا ثم شد عليهم ابراهيم فضربهم حتى اخرجهم من الصحراء وولوا منهزمين
- ص 331 -
يركب بعضهم بعضا وهم يتلاومون فقال قائل منهم ان هذا الامر يراد ما يلقون لنا جماعة الا هزموهم فلم يزل يهزمهم حتى ادخلهم الكناسة . وقال اصحاب ابراهيم لابراهيم اتبعهم واغتنم ما قد دخلهم من الرعب فقد علم الله الاى من ندعو وما نطلب
والى من يدعون وما يطلبون قال لا ولكن سيروا بنا إلى صاحبنا حتى يؤمن الله بنا وحشته ونكون من امره على علم ويعلم هو ايضا ما كان من عنائنا فيزداد هو واصحابه قوة وبصيرة إلى قواهم وبصيرتهم مع اني لا آمن ان يكون قد اتى . فأقبل
ابراهيم في اصحابه حتى مر بمسجد الاشعث فوقف به ساعة ثم مضى حتى اتى دار المختار فوجد الاصوات عالية والقوم يقتتلون وقد جاشبث بن ربعى من قبل السبخة فعبى له المختار يزيد بن انس وجاء حجاز بن ابجر العجلى فجعل المختار في
وجهه احمر بن شميط فالناس يقتتلون وجاء ابراهيم من قبل القصر فبلغ حجارا واصحابه ان ابراهيم قد جاءهم من ورائهم فتفرقوا قبل أن يأتيهم ابراهيم وذهبوا في الازقة والسكك وجاء قيس بن طهفة في قريب من مائة رجل من بني نهد من
اصحاب المختار فحمل على شبث بن ربعى وهو يقاتل يزيد بن انس فخلى لهم الطريق حتى اجتمعوا جميعا . ثم ان شبث ابن ربعى ترك لهم السكة واقبل حتى لقى ابن مطيع فقال ابعث إلى امراء الجبابين فمرهم فليأتوك فاجمع اليك جميع الناس ثم انهد إلى هؤلاء القوم فقاتلهم وابعث إليهم من تثق به فليكفك قتالهم
- ص 332 -
فان امر القوم قد قوى وقد خرج المختار وظهر واجتمع له امره . فلما بلغ ذلك المختار من مشورة شبث بن ربعى على ابن مطيع خرج المختار في جماعة من أصحابه حتى نزل في ظهر ديرهند مما يلي بستان زائدة في السسبخة قال وخرج
أبو عثمان النهدي فنادى في شاكروهم مجتمعون في دورهم يخافون ان يظهروا في الميدان لقرب كعب بن أبي كعب الخثعمي منهم وكان كعب في جبانة بشر فلما بلغه ان شاكر يخرج جاء يسير حتى نزل بالميدان وأخذ عليهم بافواه سككهم وطرقهم
قال فلما أتاهم ابو عثمان النهدي في عصابة من اصحابه نادى يا لثأرات الحسين يا منصور امت يا ايها الحى المهتدون الا ان امير آل محمد ووزيرهم قد خرج فنزل ديرهند وبعثنى اليكم داعيا ومبشرا فاخرجوا إليه رحمكم الله قال فخرجوا من الدور
يتداعون يا لثارات الحسين ثم ضاربوا كعب بن أبي كعب حتى خلى لهم الطريق فأقبلوا إلى المختار حتى نزلوا معه في عسكره وخرج عبدالله بن قراد الخثعمي في جماعة من خثعم نحو المائتين حتى لحق بالمختار فنزلوا معه في عسكره وقد كان
عرض له كعب بن ابي كعب فصافه فلما عرفهم ورأى انهم قومه خلى عنهم ولم يقاتلهم . وخرجت شبام من آخر ليلتهم فاجتمعوا إلى جبانة مراد فلما بلغ ذلك عبدالرحمن ابن سعيد بن قيس بعث إليهم ان كنتم تريدون اللحاق بالمختار فلا تمروا
على جبانة السبيع فالحقوا بالمختار فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثنى عشر الفا كانوا بايعوه فاستجمعوا له قبل انفجار الفجر فاصبح قد فرغ من تعبيته .
- ص 333 -
( قال أبو مخنف ) فحدثني الوالبى قال خرجت انا وحميد بن بن مسلم والنعمان بن ابي الجعد إلى المختار ليلة خرج فأتيناه في داره وخرجنا معه إلى معسكره قال فوالله ما انفجر الفجر حتى فرغ من تعبيته فلما اصبح استقدم فصلى بنا الغداة بغلس ثم قرأ والنازعات وعبس وتولى قال فما سمعنا اماما ام قوما افصح لهجة منه
( قال أبو مخنف ) حدثني حصيرة بن عبدالله أن ابن مطيع بعث إلى اهل الجبابين فأمرهم ان ينضموا إلى المسجد وقال لراشد بن اياس بن مضارب ناد في الناس فليأتوا المسجد فنادى المنادى الا برئت الذمة من رجل لم يحضر المسجد الليلة فتوافى
الناس في المسجد فلما اجتمعوا بعث ابن مطيع شبث بن ربعى في نحو من ثلاثة آلاف إلى المختار وبعث راشد بن اياس في أربعة آلاف من الشرط .
( قال أبو مخنف ) فحدثني ابو الصلت التيمى عن ابي سعيد الصيقل قال لما صلى المختار الغداة ثم انصرف سمعنا اصواتا مرتفعة فيما بين بني سليم وسكة البريد فقال المختار من يعلم لنا علم هؤلاء ما هم فقلت له انا اصلحك الله فقال المختار امالا
فألق سلاحك وانطلق حتى تدخل فيهم كانك نظار . ثم تأتيني بخبرهم قال ففعلت فلما دنوت منهم إذا مؤذنهم يقيم فجئت حتى دنوت منهم فإذا شبث بن ربعى معه خيل عظيمة وعلى خيله شيبان بن حريث الضبى وهو في الرجالة معه منهم كثرة فلما
اقام مؤذنهم تقدم فصلى باصحابه فقرأ إذا زلزلت الارض زلزالها فقلت في نفسي اما والله اني لارجو ان يزلزل الله بكم وقرأ والعاديات ضبحا فقال
- ص 334 -
أناس من اصحابه لو كنت قرأت سورتين هما اطول من هاتين شيئا فقال شبث ترون الديلم . قد نزلت بساحتكم وانتم تقولون لو قرأت سورة البقرة وآل عمران قال وكانوا ثلاثة آلاف قال فأقبلت سريعا حتى أتيت المختار فأخبرته بخبر شبث واصحابه
واتاه معى ساعة اتيته سعر بن ابي سعر الحنفي يركض من قبل مراد وكان ممن بايع المختار فلم يقدر على الخروج معه ليلة خرج مخافة الحرس فلما اصبح أقبل على فرسه فمر بجبانة مراد وفيها راشد بن اياس فقالوا كما أنت ومن أنت فراكضهم
حتى جاء المختار فأخبره خبر راشد واخبرته انا خبر شبث قال فسرح ابراهيم بن الاشتر قبل راشد بن اياس في تسعمائة ويقال فارس وستمأة راجل وبعث نعيم بن هبيرة اخا مصقلة بن هبيرة في ثلثمائة فارس وستمأة راجل وقال لهما امضيا حتى
تلقيا عدوكما فإذا لقيتماهم فانزلا في الرجال وعجلا الفراغ وابداهم بالاقدام ولا تستهدفا لهم فانهم أكثر منكم ولا ترجعا إلى حتى تظهرا أو تقتلا فتوجه ابراهيم إلى راشد وقدم المختار يزيد بن انس في موضع مسجد شبث في تسعمائة امامه وتوجه نعيم بن هبيرة قبل شبث .
( قال أبو مخنف ) قال أبو سعيد الصيقل كنت أنا فيمن توجه مع نعيم بن هبيرة إلى شبث ومعى سعر بن أبي سعر الحنفي فلما انتهينا إليه قاتلناه قتالا شديدا فجعل نعيم بن هبيرة سعر بن أبي سعر الحنفي على الخيل و مشى هو في الرجال فقاتلهم
حتى أشرقت الشمس وانبسطت فضربناهم حتى أدخلناهم البيوت ثم ان شبث بن ربعى ناداهم يا حماة السوء بئس فرسان الحقائق أنتم أمن عبيدكم تهربون قال فثابت إليه منهم جماعة فشد علينا
- ص 335 -
وقد تفرقنا فهزمنا وصبر نعيم بن هبيرة فقتل ونزل معه سعر فاسر وأسرت انا وخليد مولى حسان بن يخدج فقال شبث لخليد وكان وسيما جسيما من أنت فقال خليد مولى حسان بن يخدج الذهلى فقال له شبث يا ابن المتكاء تركت بيع الصحناة بالكناسة
وكان جزاء من أعتقك أن تعدو عليه بسيفك تضرب رقابه اضربوا عنقه فقتل ورأى سعرا الحنفي فعرفه فقال أخو بني حنيفة فقال له نعم . فقال ويحك ما أردت إلى اتباع هذه السباية قبح الله رأيك دعوا إذا فقلت في نفسي قتل المولى وترك العربي ان
علم والله اني مولى قتلني فما عرضت عليه قال من أنت فقلت من بني تيم الله قال اعرابي انت أو مولى فقلت لابل عربي انا من آل زياد بن خصفة فقال بخ بخ ذكرت الشريف المعروف الحق بأهلك . قال فأقبلت حتى انتهيت إلى الحمراء وكانت لي
في قتال القوم بصيرة فجئت حتى انتهيت إلى المختار وقلت في نفسي والله لاتين اصحابي فلا واسينهم بنفسي فقبح الله العيش بعدهم قال فأتيتهم وقد سبقني إليهم سعر الحنفي وأقبلت إليه خيل شبث وجاءه قتل نعيم بن هبيرة . فدخل من ذلك أصحاب
المختار أمر كبير قال فدنوت من المختار فاخبرته بالذي كان من أمرى فقال لي اسكت فليس هذا بمكان الحديث وجاء شبث حتى أحاط بالمختار وبيزيد بن انس وبعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رؤيم في الفين من قبل سكة لحام جرير فوقفوا في
أفواه تلك السكك وولى المختار يزيد بن انس خيله وخرج هو في الرجالة .
- ص 336 -
( قال أبو مخنف ) فحدثني الحارث بن كعب الوالبى والبة الازد قال حملت علينا خيل شبث بن ربعى حملتين فما يزول منا رجل من مكانه فقال يزيد بن انس لنا يا معشر الشيعة قد كنتم تقتلون وتقطع أيديكم وارجلكم وتسمل أعينكم وترفعون على
جذوع النخل في حب أهل بيت نبيكم . وانتم مقيمون في بيوتكم وطاعة عدوكم فما ظنكم بهؤلاء القوم ان ظهروا عليكم اليوم إذا والله لا يدعون منكم عينا تطرف وليقتلنكم صبرا ولترون منهم في اولادكم وأزواجكم وأموالكم ما الموت خير منه والله لا
ينجيكم منه الا الصدق والصبر والطعن الصائب في أعينهم والضرب الدراك على هامهم فتيسروا للشدة وتهياوا للحملة فإذا حركت رأيتي مرتين فاحملوا قال الحارث فتهيانا وتيسرنا وجثونا على الركب و انتظرنا امره .
( قال أبو مخنف ) وحدثني فضيل بن خديج الكندى ان ابراهيم بن الاشتركان حين توجه إلى راشد بن اياس مضى حتى لقيه في مراد فإذا معه أربعة آلاف فقال ابراهيم لاصحابه لا يهولنكم كثرة هؤلاء فوالله لرب رجل خير من عشرة ولرب فئة قليلة
قد غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين ثم قال يا خزيمة بن نصر سر إليهم في الخيل ونزل هو يمشي في الرجال ورايته مع مزاحم بن طفيل فأخذ ابراهيم يقول له ازدلف برايتك امض بها قدما قدما واقتتل الناس فاشتد قتالهم وبصر خزيمة
بن نصر العبسى براشد بن اياس فحمل عليه فطعنه فقتله ثم نادى قتلت راشدا ورب الكعبة وانهزم أصحاب راشد .
- ص 337 -
وأقبل ابراهيم بن الاشتر وخزيمة بن نصر ومن كان معهم بعد قتل راشد نحو المختار وبعث النعمان بن أبي الجعد يبشر المختار بالفتح عليه وبقتل راشد فلما أن جاءهم البشير بذلك كبروا واشتدت أنفسهم ودخل أصحاب ابن مطيع الفشل وسرح
ابن مطيع حسان بن فائد بن بكير العبسى في جيش كثيف نحو من ألفين فاعترض ابراهيم بن الاشتر فويق الحمراء ليرده عن من في السبخة من اصحاب ابن مطيع فقدم ابراهيم خزيمة بن نصر إلى حسان بن فائد في الخيل ومشى ابراهيم نحوه في
الرجال فقال والله ما اطعنا برمح ولا اضطربنا بسيف حتى انهزموا وتخلف حسان بن فائد في اخريات الناس يحميهم وحمل عليه خزيمة بن نصر فلما رآه عرفه فقال له يا حسان بن فائد اما والله لولا القرابة لعرفت اني سالتمس قتلك بجهدي ولكن
النجاء فعثر بحسان فرسه فوقع فقال تعسا لك ابا عبدالله وابتدره الناس فأحاطوا به فضار بهم ساعة بسيفه فناداه خزيمة ابن نصر قال انك آمن يا ابا عبدالله لا تقتل نفسك وجاء حتى وقف عليه ونهنه الناس عند ومر به ابراهيم فقال له خزيمة هذا ابن
عمي وقد آمنته فقال له ابراهيم احسنت فأمر خزيمة بطلب فرسه حتى اتى به فحمله عليه وقال الحق باهلك قال وأقبل ابراهيم نحو المختار وشبث محيط بالمختار ويزيد بن انس فلما رآه يزيد بن الحارث وهو على افواه سكك الكوفة التي تلى
السبخة وابراهيم مقبل نحو شبث اقبل نحوه ليصده عن شبث واصحابه فبعث ابراهيم طائفة من اصحابه مع خزيمة بن نصر فقال اغن
- ص 338 -
عنا يزيد بن الحارث وصمد هو في بقية اصحابه نحو شبث بن ربعى
( قال أبو مخنف ) فحدثني الحارث بن كعب ان ابراهيم لما اقبل نحونا رأينا شبثا واصحابه ينكصون ورائهم رويدا رويدا فلما دنا ابراهيم من شبث واصحابه حمل عليهم وامرنا يزيد بن انس بالحملة عليهم فحملنا عليهم فانكشفوا حتى انتهوا إلى ابيات
الكوفة وحمل خزيمة بن نصر على يزيد بن الحارث بن رؤيم فهزمه وازدحموا عليه افواه السكك وقد كان يزيد بن الحارث وضع رامية على افواه السكك فوق البيوت واقبل المختار في جماعة الناس إلى يزيد بن الحارث فلما انتهى اصحاب المختار
إلى افواه السكك رمته تلك الرامية بالنبل فصدوهم عن دخول الكوفة من ذلك الوجه ورجع الناس من السبخة منهزمين إلى ابن مطيع وجاءه قتل راشد بن اياس فأسقط في يده
( قال أبو مخنف ) فحدثني يحيى بن هاني قال قال عمرو بن الحجاج الزبيدى لابن مطيع ايها الرجل لا يسقط في خلدك ولا تاق بيدك اخرج إلى الناس فاندبهم إلى عدوك فاغزهم فان الناس كثير عددهم وركلهم معك الا هذه الطاغية التي خرجت على
الناس والله مخزيها ومهلكها وانا اول منتدب معي طائفة ومع غيري طائفة قال فخرج ابن مطيع فقام في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس ان من اعجب العجب عجزكم عن عصبة منكم قليل عددها خبيث دينها ضالة مضلة اخرجوا
إليهم فامنعوا منهم حريمكم وقاتلوهم عن مصركم وامنعوا منهم فيئكم والا والله ليشاركنكم في فيئكم من لاحق له فيه والله لقد بلغني ان فيهم خمسمائة رجل من محرريكم
- ص 339 -
عليهم امير منهم وانما ذهاب عزكم وسلطانكم وتغير دينكم حين يكثرون ثم نزل قال ومنعهم يزيد بن الحارث ان يدخلوا الكوفة قال ومضى المختار من السبخة حتى ظهر على الجبانة ثم ارتفع إلى البيوت بيوت مزينة واحمس وبارق فنزل عند مسجدهم
وبيوتهم وبيوتهم شاذة منفردة من بيوت اهل الكوفة فاستقبلوه بالماء فسقى اصحابه وابي المختار ان يشرب قال فظن اصحابه انه صائم وقال احمر بن هديج من همدان لابن كامل اترى الامير صائما فقال له نعم هو صائم فقال له فل انه كان في هذا
اليوم مفطر اكان اقوى له فقال له انه معصوم وهو اعلم بما يصنع فقال له صدقت استغفر الله وقال المختار نعم مكان المقاتل هذا فقال له ابراهيم بن الاشتر قد هز مهم الله وفلهم وادخل الرعب قلوبهم وتنزل ههنا سربنا فوالله ما دون القصر احد يمنع
ولا يمتنع كبير امتناع فقال المختار ليقم ههنا كل شيخ ضعيف وذى علة وضعوا ما كان لكم من ثقل ومتاع بهذا الموضع حتى تسيروا إلى عدونا ففعلوا فاستخلف المختار عليهم ابا عثمان النهدي وقدم ابراهيم بن الاشتر امامه وعبى اصحابه على الحال
التي كانوا عليها في السبخة قال وبعث عبدالله بن مطيع عمرو بن الحجاج في الفى رجل فخرج عليهم من سكة الثوربين فبعث المختار إلى ابراهيم ان اطوه ولا تقم عليه فطواه ابراهيم ودعا المختار يزيد بن انس فأمره ان يصمد لعمرو بن الحجاج
فمضى نحوه وذهب المختار في اثر ابراهيم فمضوا جميعا حتى إذا انتهى المختار إلى موضع مصلى خالد بن عبدالله وقف وامر ابراهيم ان يمضى على وجهه حتى يدخل الكوفة من قبل الكناسة فمضى فخرج
- ص 340 -
إليه من سكة ابن محرز واقبل شمر بن ذي الجوشن في الفين فسرح المختار إليه سعيد بن منقذ الهمداني فواقعه وبعث إلى ابراهيم ان اطوه وامض على وجهك فمضى حتى انتهى إلى سكة شبث وإذا نوفل بن مساحق ابن عبدالله بن مخرمة في نحو
من الفين أو قال خمسة آلاف وهو الصحيح وقد امر ابن مطيع سويد بن عبدالرحمن فنادى في الناس ان ان الحقوا بابن مساحق قال و استخلف شبث بن ربعى على القصر وخرج ابن مطيع حتى وقف بالكناسة .
( قال أبو مخنف ) حدثني حصيرة بن عبدالله قال اني لانظر إلى ابن الاشتر حين أقبل في اصحابه حتى إذا دنا منهم قال لهم انزلوا فنزلوا فقال قربوا خيولكم بعضها إلى بعض ثم امشوا إليهم مصلتين بالسيوف ولا يهولنكم أن يقال جاءكم شبث بن
ربعى وآل عتيبة بن النهاس وآل الاشعث وآل فلان وآل يزيد بن الحارث قال فسمى بيوتات من بيوتات أهل الكوفة ثم قال ان هؤلاء لو قد وجدوا لهم حر السيوف قد انصفقوا عن ابن مطيع انصفاق المعزى عن الذئب . قال حسصيرة فاني لانظر إليه
والى اصحابه حين قربوا خيولهم وحين أخذ ابن الاشتر أسفل فبائه فرفعه فأدخله في منطقة له حمراء من حواشى البرود وقد شد بها على القباء وقد كفر بالقباء على الدرع ثم قال لاصحابه شدوا عليهم فدى لكم عمى وخالى قال فوالله ما لبثهم أن
هزمهم فركب بعضهم بعضا على فم السكة وازدحموا وانتهى ابن الاشتر إلى ابن مساحق فأخذ بلجام دابته ورفع السيف عليه فقال له ابن مساحق
- ص 341 -
يا ابن الاشتر أنشدك الله أتطلبني بثأر هل بيني وبينك من احنة فخلى ابن الاشتر سبيله وقال له اذكرها فكان بعد ذلك ابن مساحق يذكرها لابن الاشتر وأقبلوا يسيرون حتى دخلوا الكناسة ثم أثار القوم حتى دخلوا السوق والمسجد وحصروا ابن مطيع ثلاثا .
( قال أبو مخنف ) وحدثني النضر بن صالح أن ابن مطيع مكث ثلاثا يرزق اصحابه في القصر حيث حصر الدقيق ومعه أشراف الناس الا ما كان من عمرو بن حريث فانه أتى داره ولم يلزم نفسه الحصار ثم خرج حتى نزل الروجاء المختار
حتى نزل جانب السوق وولى حصار القصر ابراهيم بن الاشتر ويزيد بن أنس وأحمر بن شميط فكان ابن الاشتر مما يلى المسجد وباب القصر ويزيد بن أنس مما يلى بني حذيفة وسكة دار الروميين وأحمر بن شميط مما يلى دار عمارة ودار ابى
موسى فلما اشتد الحصار على ابن مطيع وأصحابه كلمه الاشراف فقام إليه شبث فقال اصلح الله الامير انظر لنفسك ولمن معك فوالله ما عندهم غناء عنك ولا عن انفسهم قال أبن مطيع هاتوا أشيروا علي برأيكم قال شبث الرأى أن تأخذ لنفسك من
هذا الرجل امانا ولنا وتخرج ولا تهلك نفسك ومن معك قال ابن مطيع والله اني لاكره ان آخذ منه امانا والامور مستقيمة لامير المؤمنين بالحجاز كله وبأرض البصرة قال فتخرج لا يشعر بك احد حتى تنزل منزلا بالكوفة عند من تستنصحه وتثق
به ولا يعلم بمكانك حتى تخرج فتلحق بصاحبك . فقال لاسماء بن خارجة وعبد الرحمن بن مخنف وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس وأشراف أهل الكوفة ما ترون في هذا الرأى الذي أشار به على
- ص 9 -
شبث فقالوا ما نرى الرأى الا ما اشار به عليك قال فرويدا حتى امسى .
( قال أبو مخنف ) فحدثني ابو المغلس الليثى ان عبدالله بن عبدالله الليثى اشرف على اصحاب المختار من القصر من العشى يشتمهم وينتحى له مالك بن عمرو ابو نمر النهدي بسهم فيمر بحلقه فقطع جلدة من حلقه فمال فوقع قال ثم انه قام وبرأ بعد وقال النهدي حين اصابه خذها من مالك من فاعل كذا .
( قال أبو مخنف ) وحدثني النضر بن صالح عن حسان بن فائد بن بكير قال لما امسينا في القصر في اليوم الثالث دعانا ابن مطيع فذكر الله بما هو اهله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم وقال اما بعد فقد علمت الذين صنعوا هذا منكم من هو وقد
علمت انما هم اراذلكم وسفهاؤكم وطغامكم واخساؤكم ما عد الرجل أو الرجلين وان اشرافكم واهل الفضل منكم لم يزالوا سامعين مطيعين مناصحين وانا مبلغ ذلك صاحبي ومعلمه طاعتكم وجهادكم عدوه حتى كان الله الغالب على امره وقد كان من
رايكم وما أشرتم به على ما قد علمتم وقد رأيت ان اخرج الساعة فقال له شبث جزاك الله من امير خيرا فقد والله عففت عن اموالنا واكرمت اشرافنا ونصحت لصاحبك وقضيت الذي عليك والله ما كنا لنفارقك ابدا الا ونحن منك في اذن فقال جزاكم
الله خيرا اخذ امرؤ حيث احب ثم خرخ من نحو دروب الروميين حتى اتى دارابى موسى وخلى القصر وفتح اصحابه الباب فقالوا يا ابن الاشتر آمنون نحن قال انتم آمنون فخرجوا فبايعوا المختار .
دخول المختار إلى القصر ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 343 : -
( قال أبو مخنف ) فحدثني موسى ابن عامر العدوى من عدى جهينة وهو ابو الاشعر ان المختار جاء حتى دخل القصر فبات به و اصبح اشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر وخرج المختار فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه فقال الحمد
لله الذي وعد وليه النصر وعدوه الخسر وجعله فيه إلى آخر الدهر وعدا مفعولا وقضاء مقضيا . وقد خاب من افترى أيها الناس انه رفعت لنا راية ومدت لنا غاية فقيل لنا في الراية أن ارفعوها ولا تضعوها وفي الغاية أن أجروا إليها ولا تعدوها
فسمعنا دعوة الداعي ومقالة الواعي فكم من ناع وناعية لقتلى في الواعية وبعد المن طغى وأدبرو عصى وكذب وتولى الا فادخلوا أيها الناس فبايعوا بيعة هدى فلا والذي جعل السماء سقفا مكفوفا والارض فجاجا سبلا ما بايعتم بعد بيعة علي بن ابي
طالب وآل علي اهدى منها . ثم نزل فدخل ودخلنا عليه واشراف الناس فبسط يده وابتدره الناس فبايعوه وجعل يقول تبايعوني على كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين والدفع عن الضعفاء وقتال من قاتلنا وسلم من سالمنا
والوفاء بيعتنا لا نقيلكم ولا نستقيلكم فإذا قال الرجل نعم بايعه . قال فكأني والله أنظر إلى المنذر بن حسان بن ضرار الضبى إذ أتاه حتى سلم عليه بالامرة ثم بايعه وانصرف عنه فلما خرج من القصر استقبل سعيد بن منقذ الثوري في عصابة من
الشيعة واقفا عند المصطبة فلما رأوه ومعه ابنه حيان بن المنذر قال رجل من سفهائهم هذا والله من رؤوس الجبارين فشدوا عليه وعلى ابنه فقتلوهما فصاح بهم سعيد بن منقذ لا تعجلو الا تعجلوا حتى ننظر ما رأى أميركم فيه قال وبلغ المختار ذلك فكرهه
- ص 344 -
حتى رؤى ذلك في وجهه وأقبل المختار يمن الناس ويستجر مودتهم ومودة الاشراف ويحسن السيرة جهده . قال وجاءه ابن كامل فقال للمختار أعلمت أن ابن مطيع في دار أبي موسى فلم يجبه بشئ فأعادها عليه ثلاث مرات فلم يجبه ثم اعادها فلم
يجبه فظن ابن كامل أن ذلك لا يوافقه وكان ابن مطيع قبل للمختار صديقا فلما أمسى بعث إلى ابن مطيع بمائة الف درهم . فقال له تجهز بهذه واخرج فاني قد شعرت بمكانك وقد ظننت أنه لم يمنعك من الخروج الا انه ليس في يديك ما يقويك على
الخروج وأصاب المختار تسعة آلاف ألف في بيت مال الكوفة فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حصر ابن مطيع في القصر وهم ثلاثة آلاف وثمانمأة رجل كل رجل خمسمائة درهم خمسمائة درهم وأعطى ستة آلاف من اصحابه أتوه بعد ما
أحاط بالقصر فأقاموا معه تلك الليلة وتلك الثلاثة الايام حتى دخل القصر مائتين مائتين واستقبل الناس بخير ومناهم العدل وحسن السيرة وأدنى الاشراف فكانوا جلساءه وحداثه واستعمل على شرطته عبدالله بن كامل الشاكرى وعلى حرسه كيسان
أبا عمرة مولى عرينة فقام ذات يوم على رأسه فرأى الاشراف يحدثونه ورآه قد أقبل بوجهه وحديثه عليهم . فقال لابي عمرة بعض اصحابه من الموالى أما ترى أبا اسحاق قد أقبل على العرب ما ينظر الينا فدعاه المختار فقال له ما يقول لك أولئك
الذين رأيتهم يكلمونك فقال له وأسر إليه شق عليهم أصلحك الله صرفك وجهك عنهم إلى العرب فقال له قل لهم لا يشقن ذلك عليكم فأنتم مني وأنا منكم
- ص 345 -
ثم سكت طويلا ثم قرأ ( انا من المجرمين منتقمون ) قال فحدثني أبو الأشعر موسى بن عامر قال ما هو الا أن سمعها الموالى منه فقال بعضهم لبعض أبشروا كانكم والله به قد قتلهم .
( قال أبو مخنف ) حفثني حصيرة بن عبدالله الازدي وفضل بن خديج الكندى والنضر بن صالح العبسى قالوا أول رجل عقد له المختار راية عبدالله ابن الحارث أخو الاشتر عقد له على أرمينية وبعث محمد بن عمير بن عطارد على آذريجان وبعث
عبدالرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل وبعث اسحاق بن مسعود على المدائن وأرض جوخى وبعث قدامة بن أبي عيسى بن ربيعة النصرى وهو حليف لثقيف على بهقباذ الاعلى وبعث محمد بن كعب بن قرظة على بهقباذ الاوسط وبعث حبيب بن
منقذ الثوري على بهقباذ الاسفل وبعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان وكان مع سعد بن حذيفة ألفا فارس بحلوان . قال ورزقه ألف درهم في كل شهر وأمره بقتال الاكراد وباقامة الطرق وكتب إلى عماله على الجبال يأمرهم أن يحملوا أموال
كورهم إلى سعد بن ابي حذيفة بحلوان وكان عبدالله بن الزبير قد بعث محمد بن الاشعث بن قيس على الموصل وأمره بمكاتبة ابن مطيع وبالسمع له والطاعة غير أن ابن مطيع لا يقدر على عزله الا بأمر ابن الزبير وكان قبل ذلك في امارة عبدالله بن
يزيد وابراهيم ابن محمد منقطعا بامارة الموصل لا يكاتب أحدا دون ابن الزبير . فلما قدم عليه عبدالرحمن بن سعيد بن قيس من قبل المختار أميرا تنحى له عن الموصل وأقبل حتى نزل تكريت وأقام بها مع أناس من أشراف قومه وغيرهم وهو
معتزل ينظر ما يصنع الناس والى ما يصير أمرهم ثم شخص إلى المختار فبايع له ودخل فيما دخل فيه أهل بلده .
غلبة المختار على ابن مطيع ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 346 : -
( قال أبو مخنف ) وحدثني صلة بن زهير النهدي عن مسلم بن عبدالله الضبابى قال لما ظهر المختار واستمكن ونفى ابن مطيع وبعث عماله اقبل يجلس للناس غدوة وعشية فيقضى بين الخصمين ثم قال والله ان لي فيما از اول واحاول لشغلا عن
القضاء بين الناس قال فاجلس للناس شريحا وقضى بين الناس ثم انه خافهم فتمارض وكانوا يقولون انه عثماني وانه ممن شهد على حجر بن عدى وانه لم يبلغ عن هاني بن عروة ما ارسله به وقد كان علي بن ابي طالب عزله عن القضاء فلما ان
سمع بذلك ورآهم يذمونه ويسندون إليه مثل هذا القول تمارض وجعل المختار مكانه عبدالله بن عتبة بن مسعود ثم ان عبدالله مرض فجعل مكانه عبدالله ابن مالك الطائي قاضيا قال مسلم بن عبدالله وكان عبدالله بن همام سمع ابا عمرة يذكر الشيعة وينال
من عثمان بن عفان فقنعه بالسوط فلما ظهر المختار كان معتزلا حتى استامن له عبدالله بن شداد فجاء إلى المختار ذات يوم فقال
الا انتسات بالودعنك وادبرت * معالنة بالهجر ام سريع
وحملها واش سعى غير مؤتل * فأبت بهم في الفواد جميع
فخفض عليك الشأن لا يردك الهوى * فليس انتقال خلة ببديع
وفي ليلة المختار ما يذهل الفتى * ويلهيه عن رؤد الشباب شموع
دعايا لثأرات الحسين فأقبلت * كتائب من همدان بعد هزيع
ومن مذ حج جاء الرئيس بن مالك * يقود جموعا عبيت بجموع
- ص 347 -
ومن أسد وافى يزيد لنصره * بكل فتى حامى الذمار منيع
وجاء نعيم خير شيبان كلها * بأمر لدى الهيجا احد جميع
وما ابن شميط إذ يحرض قومه * هناك بمخذول ولا بمضيع
ولا قيس نهد لا ولا ابن هوازن * وكل اخو اخباته وخشوع
وسار أبو النعمان لله سعيه * إلى ابن اياس مصحرا لوقوع
بخيل عليها يوم هيجا دروعها * واخرى حسورا غير ذات دروع
فكر الخيول كرة ثقفتهم * وشد باولاها على ابن مطيع
فولى بضرب يشدخ الهام وقعه * وطعن غداة السكتين وجيع
فحوصر في دار الامارة بائيا * بذل وارغا له وخصوع
فمن وزير ابن الوصي عليهم * وكان لهم في الناس خير شفيع
وآب الهدى حقا إلى مستقره * بخير اياب آبه ورجوع
إلى الهاشمي المهتدى المهتدى به * فنحن له من سامع ومطيع
قال فلما أنشدها للمختار قال المختار لاصحابه قد أثنى عليكم كما تسمعون وقد أحسن الثناء عليكم فأحسنوا له الجزاء ثم قام المختار فدخل وقال لاصحابه لا تبرحوا حتى اخرج اليكم قال وقال عبدالله بن شداد الجشمى يا ابن همام ان لك عندي فرسا
ومطرفا وقال قيس بن طهفة النهدي وكانت عنده الرباب بنت الاشعث فان لك عندي فرسا ومطرفا واستحيا ان يعطيه صاحبه شيئا لا يعطى مثله فقال ليزيد بن انس فما تعطيه فقال يزيد ان كان ثواب الله اراد بقوله فما عند الله خير له وان كان انما
اعترى بهذا القول أموالنا فوالله ما في أموالنا ما يسعه قد كانت بقيت من عطائي بقية فقويت بها اخواني .
- ص 348 -
فقال احمر بن شميط مبادرا لهم قبل ان يكلموه يا ابن همام ان كنت اردت بهذا القول وجه الله فاطلب ثوابك من الله وان كنت انما اعتريت به رضى الناس وطلب اموالهم فاكدم الجندل فوالله من قال قولا لغير الله وفي غير ذات الله بأهل ان ينحل ولا
يوصل . فقال له عضضت بأيرابيك فرفع يزيد بن انس السوط وقال لابن شميط تقول هذا القول يا فاسق وقال لابن شميط اضربه بالسيف فرفع ابن شميط عليه السيف ووثب ووثب أصحابهما يتفلتون على بن همام وأخذ بيده ابراهيم بن الاشتر فألقاه
وراءه وقال أثاله جار لم تأتون إليه ما أرى فوالله انه لو اصل الولاية راض بما نحن عليه حسن الثناء فان أنتم لم تكافئوه بحسن ثنائه فلا تشتموا عرضه ولا تسفكوا دمه ووثبت مذحج فحالت دونه وقالوا أجاره ابن الاشتر لا والله لا يوصل إليه .
قال وسمع لغطهم المختار فخرج إليهم وأومأ بيده إليهم ان اجلسوا فجلسوا فقال لهم إذا قيل لكم خير فاقبلوه وان قدرتم على مكافأة فافعلوا وان لم تقدروا على مكافاة فتنصلوا واتقوا لسان الشاعر فان شره حاضر وقوله فاجر وسعيه بائر وهو بكم غدا
غادر فقالوا أفلا تقتله قال لا اناقد آمناه وأجرناه وقد أجاره أخوكم ابراهيم بن الاشتر فجلس مع الناس قال ان ابراهيم قام فانصرف إلى منزله فأعطاه ألفا وفرسا ومطرفا فرجع بها وقال لا والله لا جاورت هؤلاء أبدا وأقبلت هوازن وغضبت
و اجتمعت في المسجد غضبا لابن همام فبعث إليهم المختار فسألهم أن يصفحوا عما اجتمعوا له ففعلوا وقال ابن همام لابن الاشتر يمدحه
اطفأ عن نار كلبين ألبا * على الكلاب ذو الفعال ابن مالك
قل حين يلقى الخيل يفرق بينها * يطعن دراك أو بضرب مواشك
- ص 349 -
وقد غضبت لى من هوازن عصبة * طوال الذرى فيها عراض المبارك
إذا ابن شميط أو يزيد تعرضا * لها وقعا في مستحار المهالك
وثبتم علينا يا موالى طبئ * مع ابن شميط شر ماش وراتك
واعظم ديار على الله فرية * وما مفتر طاغ كآخر ناسك
فيا عجبا من أحمس ابنة أحمس * توثب حولي بالقنا والنيازك
كأنكم في العز قيس وخثعم * وهل أنتم الا لئام عوارك
وأقبل عبدالله بن شداد من الغد فجلس في المسجد يقول علينا توثب بنو أسد واحمس والله لا نرضى بهذا ابدا فبلغ ذلك المختار فبعث إليه فدعاه ودعا بيزيد بن أنس وبابن شميط فحمد الله واثنى عليه وقال يا ابن شداد ان الذي فعلت نزعة من نزعات
الشيطان فتب إلى الله قال قد تبت وقال ان هذين أخواك فأقبل اليهما واقبل منهما وهب لي هذا الامر قال فهو لك وكان ابن همام قد قال قصيدة اخرى في أمر المختار فقال
اصحت سليمى بعد طول عتاب * وتجرم ونفاد غرب شباب
قد أزمعت بصريمتى وتجنبى * وتهوك من ذاك في اعتاب
لما رأيت القصر اغلق بابه * وتوكلت همدان بالاسباب
ورأيت اصحاب الدقيق كأنهم * حول البيوت ثغالب الاسراب
ورايت ابواب الازقة حولنا * دربت بكل هراوة ودباب
ايقنت ان خيول شيعة راشد * لم يبق منها فيش ابر ذباب
ذكر هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم أن مروان بن الحكم لما استوثقت له الشام بالطاعة بعث جيشين احدهما إلى الحجاز عليه حبيش بن دلجة القينى وقد ذكرنا أمره وخبر مهلكه قبل والآخر منهما
- ص 350 -
إلى العراق عليهم عبيدالله بن زياد وقد ذكرنا ما كان من أمره وأمر التوابين من الشيعة بعين الوردة وكان مروان جعل لعبيدالله بن زياد إذ وجهه إلى العراق ما غلب عليه وأمره أن ينهب الكوفة إذا هو ظفر باهلها ثلاثا قال عوانة فمر بأرض
الجزيرة فاحتبس بها وبها قيس عيلان على طاعة ابن الزبير وقد كان مروان أصاب قيسا يوم مرج راهط وهم مع الضحاك بن قيس مخالفين على مروان وعلى ابنه عبدالملك من بعده فلم يزل عبيد الله مشتغلا بهم عن العراق نحوا من سنة . ثم انه
اقبل إلى الموصل فكتب عبدالرحمن بن سعيد بن قيس عامل المختار على الموصل إلى المختار أما بعد فاني أخبرك أيها الامير أن عبيد الله بن زياد قد دخل أرض الموصل وقد وجه قبلى خيله ورجاله وانى انحزت إلى تكريت حتى يأتيني رأيك
وأمرك والسلام عليك . فكتب إليه المختار أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت كل ما ذكرت فيه فقد أصبت بانحيازك إلى تكريت فلا تبرحن مكانك الذى أنت به حتى يأتيك أمرى ان شاء الله والسلام عليك .
( قال هشام ) عن أبي مخنف حدثني موسى بن عامر أن كتاب عبدالرحمن بن سعيد لما ورد على المختار بعث إلى يزيد بن أنس فدعاه فقال له يا يزيد بن أنس ان العالم ليس كالجاهل وان الحق ليس كالباطل واني أخبرك خبر من لم يكذب ولم يكذب
ولم يخالف ولم يرتب وانا المؤمنون الميامين الغالبون المساليم وانك صاحب الخيل التي تجر جعابها وتضفر اذنابها حتى توردها منابت الزيتون غائرة عيونها
- ص 351 -
لاحقة بطونها اخرج إلى الموصل حتى تنزل أدانيها فاني ممدك بالرجال بعد الرجال . فقال له يزيد بن انس سرح معى ثلاثة آلاف فارس أنتخبهم و خلنى والفرج الذي توجهنا إليه فان احتجت إلى الرجال فسأكتب اليك قال له المختار فاخرج فانتخب
على اسم الله من أحببت فخرج فانتخب ثلاثة آلاف فارس فجعل على ربع المدينة النعمان بن عوف بن ابي جابر الازدي وعلى ربع تميم وهمدان عاصم بن قيس بن حبيب الهمداني وعلى مذحج واسد ورقاء بن عازب الاسدي وعلى ربع ربيعة
وكندة سعر بن ابي سمر الحنفي . ثم انه فصل من الكوفة فخرج وخرج معه المختار والناس يشيعونه فلما بلغ دير ابى موسى ودعه المختار وانصرف ثم قال له إذا لقيت عدوك فلا تناظرهم وإذا امكنتك الفرصة فلا تؤخرها وليكن خبرك في كل
يوم عندي وان احتجت إلى مدد فاكتب إلى مع اني ممدك ولو لم تستمدد فانه أشد لعضدك وأعز لجندك وأرعب لعدوك فقال له يزيد بن انس لا تمدني الا بدعائك فكفى به مددا . وقال له الناس صحبك الله وأداك وايدك وودعوه فقال لهم يزيد سلوا الله
لي الشهادة وايم الله لئن لقيتهم ففاتنى النصر لا تفتني الشهادة ان شاء الله فكتب المختار إلى عبدالرحمن بن سعيد بن قيس أما بعد فخل بين يزيد وبين البلاد ان شاء الله والسلام عليك فخرج يزيد بن انس بالناس حتى بات بسورا ثم عذابهم سائرا حتى
بات بالمدائن فشكا الناس إليه ما دخلهم من شدة السير عليهم فأقام بها يوما وليلة
- ص 352 -
ثم انه اعترص بهم أرض جوخى حتى خرج بهم في الراذنات حتى قطح بهم إلى أرض الموصل . فنزل ببنات تلى وبلغ مكانه ومنزله الذي نزل به عبيدالله بن زياد فسأل عن عدتهم فأخبرته عيونه أنه خرج معه من الكوفة ثلاثة آلاف فارس فقال
عبيدالله فأنا أبعث إلى كل الف ألفين ودعا ربيعة بن المخارق الغنوى وعبد الله بن حملة الخثعمي فبعثهما في ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف وبعث ربيعة بن المخارق اولا ثم مكث يوما ثم بعث خلفة عبدالله بن حملة ثم كتب اليهما أيكما سبق فهو امير على
صاحبه وان انتهيتما جميعا فأكبر كما سنا أمير على صاحبه والجماعة قال فسبق ربيعة بن المخارق فنزل بيزيد ابن انس و هو ببنات تلى فخرج إليه يزيد بن انس وهو مريض مضنى .
( قال أبو مخنف ) فحدثني ابو الصلت عن ابي سعيد الصيقل قال خرج علينا يزيد بن أنس وهو مريض على حمار يمشى معه الرجال يمسكونه عن يمينه وعن شماله بفخذيه وعضديه وجنبيه فجعل يقف على الارباع ربع ربع ويقول يا شرطة الله
اصبروا تؤجروا وصابروا عدوكم تظفروا وقاتلوا اولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا ان هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الاسدي فان هلك فأميركم عبدالله بن ضمرة العذري فان هلك فأميركم سعر بن ابي سعر الحنفي . قال وانا والله فيمن
يمشى معه ويمسك بعضده ويده وانى لاعرف في وجهه ان الموت قد نزل به قال فجعل يزيد بن انس عبدالله ابن ضمرة العذري على ميمنته وسعر بن ابي سعر على ميسرته وجعل ورقاء بن عازب الاسدي على الخيل ونزل هو فوضع بين الرجال على السرير
- ص 353 -
ثم قال لهم ابرزوا لهم بالعراء وقد مونى في الرجال . ثم ان شئتم فقاتلوا عن اميركم وان شئتم ففروا عنه قال فأخرجناه في ذي الحجة يوم عرفة سنة 66 فأخذنا نمسك احيانا بظهره فيقول اصنعوا كذا اصنعوا كذا وافعلوا كذا فيأمر بامره ثم لا يكون
باسرع من ان يغلبه الوجع فيوضع هنيهة ويقتتل الناس وذلك عند شفق الصبح قبل شروق الشمس قال فحملت ميسرتهم على ميمنتنا فاشتد قتالهم وتحمل ميسرتنا على ميمنتهم فتهزمها ويحمل ورقاء بن عازب الاسدي في الخيل فهزمهم فلم يرتفع الضحى حتى هزمناهم وحوينا عسكرهم .
( قال أبو مخنف ) وحدثني موسى بن عامر العدوى قال انتهينا إلى ربيعة بن المخارق صاحبهم وقد انهزم عنه اصحابه وهو نازل ينادى يا اولياء الحق ويا اهل السمع والطاعة إلى انا ابن المخارق قال موسى فأما أنا فكنت غلاما حدثا فهبته ووقفت ويحمل عليه عبدالله بن ورقاء الاسدي وعبد الله بن ضمرة العذري فقتلاه .
( قال أبو مخنف ) وحدثني عمرو بن مالك أبو كبشة القينى قال كنت غلاما حين راهقت مع احد عمومتي في ذلك العسكر فلما نزلناه بعسكر الكوفيين عبانا ربيعة بن المخارق فأحسن التعبية وجعل على ميمنته ابن أخيه وعلى ميسرته عبدربه السلمى
وخرج هو في الخيل والرجال و قال يا أهل الشام انكم انما تقاتلون العبيد الاباق وقوما قد تركوا الاسلام وخرجوا منه ليست لهم تقية ولا ينطقون بالعربية قال فوالله ان كنت لاحسب أن ذلك كذلك حتى قاتلناهم قال فوالله ما هو الا أن اقتتل الناس إذا رجل من أهل العراق يعترض الناس بسيفه وهو يقول
- ص 354 -
برئت من دين المحكمينا * وذاك فينا شر دين دينا ثم ان قتالنا وقتالهم اشتد ساعة من التهار ثم انهم هزمونا حين ارتفع الضحى فقتلوا صاحبنا وحووا عسكرنا فخرجنا منهزمين حتى تلقانا عبدالله بن حملة على مسيرة ساعة من تلك القرية التي
يقال لها ببنات تلى فردنا فأقبلنا معه حتى نزل بيزيد ابن أنس فبتنا متحارسين حتى أصبحنا فصلينا الغداة ثم خرجنا على تعبية حسنة فجعل على ميمنته الزبير بن حريمة من خثعم وعلى ميسرته ابن أقيصر القحا في من خثعم وتقدم في الخيل و الرجال
وذلك يوم الاضحى فاقتتلنا قتالا شديدا ثم انهم هزمونا هزيمة قبيحة وقتلونا قتلا ذريعا وحووا عسكرنا وأقبلنا حتى انتهينا إلى عبيدالله بن زياد فحدثناه بما لقينا .
( قال أبو مخنف ) وحدثني موسى بن عامر قال اقبل الينا عبدالله بن حملة الخثعمي فاستقبل فل ربيعة بن المخارق الغنوى فردهم ثم جاء حتى نزل ببنات تلى فلما اصبح غادوا وغادينا فتطارت الخيلان من أول النهار ثم انصرفوا وانصرفنا حتى إذا
صلينا الظهر خرجنا فاقتتلنا ثم هزمنا هم قال ونزل عبدالله بن حملة فأخذ ينادى اصحابه الكرة بعد الفرة يا أهل السمع والطاعة فحمل عليه عبدالله بن قراد الخثعمي فقتله وحوينا عسكرهم وما فيه وأتى يزيد بن انس بثلثمائة اسير وهو في السوق
فأخذ يومى بيده ان اضربوا أعناقهم فقتلوا من عند آخرهم وقال يزيد ابن انس ان هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الاسدي فما امسى حتى مات فصلى عليه ورقاء بن عازب ودفنه فلما رأى ذلك أصحابه اسقط في ايديهم وكسر موته قلوب اصحاب وأخذوا في دفنه
- ص 355 -
فقال لهم ورقاء يا قوم ماذا ترون انه قد بلغني أن عبيدالله بن زياد قد أقبل الينا في ثمانين الفا من أهل الشام فاخذوا يتسللون ويرجعون ثم ان ورقاء دعا رؤوس الارباع وفرسان اصحابه فقال لهم يا هؤلاء ماذا ترون فيما أخبرتكم انما أنا رجل منكم
ولست بأفضلكم رأيا فاشيروا على فان ابن زياد قد جاءكم في جند أهل الشام الاعظم وبجلتهم وفرسانهم و اشرافهم ولا ارى لناولكم بهم طاقة على هذه الحال . وقد هلك يزيد بن انس أميرنا وتفرقت عنا طائفة منا فلو انصرفنا اليوم من تلقاء أنفسنا قبل
ان تلقاهم وقبل أن نبلغهم فيعلموا انا انما ردنا عنهم هلاك صاحبنا فلا يزالوا لنا هائبين لقتلنا منهم اميرهم ولانا انما نعتل لانصرافنا يموت صاحبنا وانا ان لقيناهم اليوم كنا مخاطرين فان هزمنا اليوم لم تنفعنا هزيمتنا اياهم من قبل اليوم قالوا فانك
نعما رأيت انصرف رحمك الله فانصرف فبلغ منصرفهم ذلك المختار اهل الكوفة فاوجف الناس ولم يعلموا كيف كان الامر ان يزيد بن انس هلك وان الناس هزموا فبعث إلى المختار عامله على المدائن عينا له من انباط السواد فأخبره الخبر فدعا
المختار ابراهيم بن الاشتر فعقد له على سبعة آلاف رجل ثم قال له سر حتى إذا انت لقيت جيش ابن انس فارددهم معك ثم سرحتى تلقى عدوك فتناجزهم فخرج ابراهيم فوضع عسكره بحمام أعين .
( قال أبو مخنف ) فحدثني أبو زهير النضر بن صالح قال لما مات يزيد بن أنس التقى اشراف الناس بالكوفة فارجفوا بالمختار وقالوا قتل يزيد بن انس ولم يصدقوا انه مات اخذوا يقولون والله لقد تامر علينا هذا
- ص 356 -
الرجل بغير رضى منا ولقد أدنى موالينا فحملهم على الدواب واعطاهم واطعمهم فيئنا ولقد عصتنا عبيدنا فحرب بذلك ايتامنا واراملنا فاتعدوا منزل شبث بن ربعى وقالوا نجتمع في منزل شيخنا وكان شبث جاهليا اسلاميا فاجتمعوا فاتوا منزلي فصلى
بأصحابه ثم تذاكروا هذا النحو من الحديث قال ولم يكن فيما احدث المختار عليهم شئ هو اعظم من ان جعل للموالي من الفئ نصيبا فقال لهم شبث دعوني حتى القاه فذهب فلقيه فلم يدع شيئا مما انكره اصحابه الا وقد ذاكره اياه فأخذ لا يذكر
خصلة الا قال له المختار أرضيهم في هذه الخصلة وآتى كل شئ احبوا قال فذكر المماليك قال فأنا ارد عليهم عبيدهم فذكر له الموالى فقال عمدت إلى موالينا وهم في افاءه الله علينا وهذه البلاد جميعا فاعتقنا رقابهم نأمل الاجر في ذلك والثواب
والشكر فلم ترض لهم بذلك حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا فقال لهم المختار ان انا تركت لكم مواليكم وجعلت فيأكم فيكم اتقاتلون معى بني امية وابن الزبير وتعطون على الوفاء بذلك عهد الله ومياقه وما اطمئن إليه من الايمان فقال شبث ما ادرى
حتى أخرج إلى اصحابه فاذاكرهم ذلك فخرج فلم يرجع إلى المختار قال واجمع رأى اشراف أهل الكوفة على قتال المختار
( قال أبو مخنف ) فحدثني قدامة بن حوشب قال جاء شبث ابن ربعى وشمر بن ذي الجوشن ومحمد بن الاشعث وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس حتى دخلوا على كعب بن ابي كعب الخثعمي فتكلم شبث فحمد الله وأثنى عليه ثم اخبره باجتماع رأيهم على قتال المختار وساله ان
- ص 357 -
يجيبهم إلى ذلك وقال فيما يعتب له المختار انه تأمر علينا بغير رضى منا وزعم أن ابن الحنفية بعثه الينا وقد علمنا ان ابن الحنفية لم يفعل واطعم موالينا فيئنا وأخذ عبيدنا فحرب بهم يتاما ناو أراملنا واظهر هو وسبايته البراءة من اسلافنا الصالحين قال فرحب بهم كعب بن ابي كعب واجابهم إلى ما دعوه إليه .
( قال أبو مخنف ) فحدثني أبي يحيى بن سعيد ان أشراف اهل الكوفة قد كانوا دخلوا على عبدالرحمن بن مخنف فدعوه إلى ان يجيبهم إلى قتال المختار فقال لهم يا هؤلاء انكم ان ابيتم الا ان تخرجوا لم اخذ لكم وان انتم اطعتموني لم تخرجوا فقالوا
لم قال لاني أخاف أن تتفرقوا وتختلفوا وتتخاذلوا ومع الرجل والله شجعاؤكم وفرسانكم من انفسكم اليس معه فلان وفلان ثم معه عبدكم ومواليكم وكلمة هؤلاء واحدة وعبيدكم ومواليكم اشد حنقا عليكم من عدوكم فهو مقاتلكم بشجاعة العرب وعداوة
العجم وان انتظرتموه قليلا كفيتموه بقدوم اهل الشام أو بمجئ أهل البصرة فتكونوا قد كفيتموه بغيركم ولم تجعلوا بأسكم بينكم قالوا ننشدك الله ان نخالفنا وان تفسد علينا رأينا وما قد اجتمعت عليه جماعتنا قال فانا رجل منكم فإذا شئتم فاخرجوا فسار
بعضهم إلى بعض وقالوا انتظروا حتى يذهب عنه ابراهيم بن الاشتر قال فامهلوا حتى إذا بلغ ابن الاشتر ساباط وثبوا بالمختار قال فخرج عبدالرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني في همدان في جبانة السبيع وخرج زحر بن قيس الجعفي واسحاق ابن محمد بن الاشعث في جبانة كندة .
( قال هشام ) فحدثني سليمان بن محمد الحضرمي قال خرج اليهما
- ص 358 -
جبير الحضرمي فقال لهما اخرجا عن جبانتنا فانا نكره ان نعرى بشر فقال له اسحاق بن محمد وجبانتكم هي قال نعم فانصرفوا عنه وخرج كعب بن ابي كعب الخثعمي في جبانة بشر وسار بشير بن جرير بن عبدالله إليهم في بجيلة وخرج
عبدالرحمن بن مخنف في جبانة المخنف وسار اسحاق بن محمد وزحر ابن قيس إلى عبدالرحمن بن سعيد بن قيس بجبانة السبيع وسارت بجيلة وخثعم إلى عبدالرحمن بن مخنف وهو بالازد وبلغ الذين في جبانة السبيع ان المختار قد عبى لهم خيلا
ليسير إليهم فبعثوا الرسل يتلو بعضها بعضا إلى الازد وبجيلة وخثعم يسالونهم بالله والرحم لما عجلوا إليهم فسارو إليهم واجتمعوا جميعا في جبانة السبيع ولما ان بلغ ذلك المختار سره اجتماعهم في مكان واحد . وخرج شمر بن ذي الجوشن
حتى نزل بجبانة بني سلول في قيس ونزل شبث بن ربعى وحسان بن فائد العبسى وربيعة بن ثروان الضبى في مضر بالكناسة ونزل حجار بن ابجر ويزيد بن الحارث بن رؤيم في ربيعة فيما بين التمارين والسبخة ونزل عمر بن الحجاج
الزبيدى في جبانة مراد بمن تبعه من مذحج فبعث إليهم اهل اليمن ان ائتنا فأبى أن ياتيهم . وقال لهم جدوا فكانى قد اتيتكم قال وبعث المختار رسولا من يومه يقال له عمر بن توبة بالركض إلى ابراهيم بن الاشتر وهو بساباط ان لا تضع كنابى من يدك
حتى تقبل بجميع من معك إلى قال وبعث إليهم المختار في ذلك اليوم اخبروني ما تريدون فاني صانع كل ما احببتم قالوا فانا نريد ان تعتزلنا فانك زعمت ان ابن الحنفية بعثك
- ص 359 -
ولم يبعثك فارسل إليهم المختار ان ابعثوا إليه من قبلكم وفدا وابعث إليه من قبلى وفدا ثم انظروا في ذلك حتى تتبينوه وهو يريد أن يريثهم بهذه المقالة ليقدم عليه ابراهيم بن الاشتر وقد أمر أصحابه فكفوا أيديهم وقد أخذ أهل الكوفة عليهم بأفواه
السكك فليس شئ يصل إلى المختار ولا إلى أصحابه من الماء الا القليل الوتح يجيئهم إذا غفلوا عنه قال وخرج عبدالله بن سبيع في الميدان فقاتله شاكر قتالا شديدا فجاءه عقبة من طارق الجشمى فقاتل معه ساعة حتى رد عاديتهم عنه ثم اقبلا على
حاميتهما يسيران حتى نزل عقبه بن طارق مع قيس في جبانة بني سلول وجاء عبدالله بن سبيع حتى نزل مع أهل اليمن في جبانة السبيع .
( قال أبو مخنف ) حدثني يونس بن أبي اسحاق أن شمر بن ذي الجوشن أتى أهل اليمن فقال لهم ان اجتمعتم في مكان نجعل فيه مجنبتين ونقاتل من وجه واحد فأنا صاحبكم والا فلا والله لا اقاتل في مثل هذا المكان في سكك ضيقة ونقاتل من غير
وجه . فانصرف إلى جماعة قومه في جبانة بني سلول قال ولما خرج رسول المختار إلى ابن الاشتر بلغه من يومه عشية فنادى في الناس ان ارجعوا إلى الكوفة فسار بقية عشيته تلك ثم نزل حين أمسى فتعشى أصحابه وأراحوا الدواب شيئا كلا
شئ ثم نادى في الناس فسار ليلته كلها ثم صلى الغداة بسورا ثم سار من يومه فصلى العصر على باب الجسر من الغد ثم انه جاء حتى بات ليلته في المسجد ومعه من اصحابه أهل القوة والجلد حتى إذا كان صبيحة اليوم الثالث من مخرجهم على المختار خرج المختار إلى المنبر فصعده .
- ص 360 -
( قال أبو مخنف ) فحدثني أبو جناب الكلبى ان شبث بن ربعى بعث إليه ابنه عبدالمؤمن فقال له انما نحن عشيرتك وكف يمينك لا والله لا نقاتلك فثق بذلك منا وكان رأيه قتاله ولكنه كاده ولما أن اجتمع أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة
فكره كل رأس من رؤس أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه فقال لهم عبدالرحمن بن مخنف هذا أول الاختلاف قدموا الرضى فيكم فان في عشيرتكم سيد قراء أهل المصر فليصل بكم رفاعة بن شداد الفتياني من بجيلة ففعلوا فلم يزل يصلى بهم حتى كانت الواقعة .
( قال أبو مخنف ) وحدثني وازع ابن السرى أن أنس بن عمرو الازدي انطلق فدخل في اهل اليمن وسمعهم وهم يقولون ان سار المختار إلى اخواننا من مضر سرنا إليهم وان سار الينا ساروا الينا فسمعها منهم رجل وأقبل جوادا حتى صعد إلى
المختار على المنبر فأخبره بمقالتهم فقال اما هم فخلقاء لو سرت إلى مضر أن يسيروا إليهم وأما أهل اليمن فأشهد لئن سرت إليهم لا تسير إليهم مضر فكان بعد ذلك يدعو ذلك الرجل ويكرمه . ثم ان المختار نزل فعبى اصحابه في السوق والسوق إذ
ذاك ليس فيها هذا البناء فقال لابراهيم بن الاشتر إلى أي الفريقين احب اليك ان تسير فقال إلى أي الفريقين أحببت فنظر المختار وكان ذا رأى . فكره أن يسير إلى قومه فلا يبالغ في قتالهم فقال سر إلى مضر بالكناسة وعليهم شبث بن ربعى ومحمد بن عمير بن عطارد وانا اسير إلى اهل اليمن .
- ص 361 -
قال ولم يزل المختار يعرف بشدة النفس وقلة البقيا على اهل اليمن وغيرهم إذا ظفر فسار ابراهيم بن الاشتر إلى الكناسة وسار المختار إلى جبانة السبيع فوقف المختار عند دار عمر بن سعد بن أبي وقاص وسرح بين يديه احمر بن شميط البجلى
ثم الاحمسي وسرح عبدالله بن كامل الشاكرى . وقال لابن شميط الزم هذه السكة حتى تخرج إلى أهل جبانة السبيع من بين دور قومك وقال لعبد الله ابن كامل الزم هذه السكة حتى تخرج على جبانة السبيع من دار آل الاخنس بن شريق ودعاهما
فأسر اليهما ان شبا ما قد بعثت تخبرني انهم قد اتوا القوم من ورائهم فمضيا فسلكا الطريقين اللذين أمرهما بهما . وبلغ اهل اليمن مسير هذين الرجلين إليهم فاقتسموا تينك السكتين فاما السكة التي في دبر المسجد احمس فانه وقف فيها عبدالرحمن بن
سعيد بن قيس الهمداني واسحاق بن الاشعث وزحر بن قيس واما السكة التي تلى الفرات . فانه وقف فيها عبدالرحمن بن مخنف وبشير بن جرير بن عبدالله وكعب بن أبي كعب ثم ان القوم اقتتلوا كأشد قتال اقتتله قوم ثم ان اصحاب احمر بن
شميط انكشفوا واصحاب عبدالله بن كامل ايضا فلم يرع المختار الا وقد جاءه الفل قد اقبل فقال ما ورائكم قالوا هزمنا قال فما فعل احمر ابن شميط قالوا تركناه قد نزل عند مسجد القصاص يعنون مسجد ابي داود في وادعة وكان يعتاده رجال اهل ذلك الزمان يقصون فيه وقد نزل معه اناس من اصحابه .
- ص 362 -
وقال أصحاب عبدالله ما ندرى ما فعل ابن كامل فصاح بهم أن انصرفوا ثم أقبل بهم حتى انتهى إلى دار ابي عبدالله الجدلي وبعث عبد الله بن قراد الخثعمي وكان على أربعمائة رجل من أصحابه فقال سرفى أصحابك إلى ابن كامل فان يك هلك فانت
مكانه فقاتل القوم بأصحابك وأصحابه وان تجده حيا صالحا فسر في مائة من أصحابك كلهم فارس وادفع إليه بقية أصحابك ومربالجد معه والمناصحة له فانهم انما يناصحونني ومن ناصحنى فليبشر . ثم امض في المائة حتى تأتى أهل جبانة السبيع
مما يلى حمام قطن بن عبدالله فمضى فوجد ابن كامل واقفا عند حمام عمرو بن حريث معه أناس من أصحابه قد صبروا وهو يقاتل القوم فدفع إليه ثلثمائة من اصحابه ثم مضى حتى نزل إلى جبانة السبيع . ثم اخذ في تلك السكك حتى انتهى إلى مسجد
عبدالقيس فوقف عنده وقال لاصحابه ما ترون قالوا أمرنا لامرك تبع وكل من كان معه من حاشد من قومه وهم مائة فقال لهم والله اني لاحب أن يظهر المختار ووالله اني لكاره ان يهلك اشراف عشيرتي اليوم ووالله لان أموت أحب إلى من ان يحل
بهم الهلاك على يدى ولكن قفوا قليلا فاني قد سمعت شباما يزعمون أنهم سيأتونهم من ورائهم فلعل شباما تكون هي تفعل ذلك ونعافى نحن منه قال له اصحابه فرأيك فثبت كما هو عند مسجد عبدالقيس . وبعث المختار مالك بن عمرو النهدي في مائتي
رجل وكان من اشد الناس بأسا وبعث عبدالله بن شريك النهدي في مائتي فارس إلى أحمر بن شميط وثبت مكانه فانتهوا إليه وقد علاه القوم وكثروه فاقتتلوا
- ص 363 -
عند ذلك كأشد القتال ومضى ابن الاشتر حتى لقى شبث بن ربعى وأنا سامعه من مضر كثيرا وفيهم حسان بن فائد العبسى . فقال لهم ابراهيم ويحكم انصرفوا فوالله ما أحب أن يصاب أحد من مضر على يدى فلا تهلكوا أنفسكم فابوا فقاتلوه فهزمهم
واحتمل حسان بن فائد إلى أهله فمات حين أدخلا إليهم وقد كان وهو على فراشه قبل موته أفاق افاقة . فقال أما والله ما كنت أحب أن اعيش من جراحتى هذه وما كنت احب ان تكون منيتى الا بطعنة رمح أو بضربة بالسيف فلم يتكلم بعدها كلمة حتى
مات وجاءت البشرى إلى المختار من قبل ابراهيم بهزيمة مضر فبعث المختار البشرى من قبله ألى احمر بن شميط والى ابن كامل فالناس على احوالهم كل اهل سكة منهم قد أعنت ما يليها . قال فاجتمعت شبام وقد راسوا عليهم ابا القلوص وقد
اجمعوا واجتمعوا بان ياتوا اهل اليمن من ورائهم فقال بعضهم لبعض اما والله لو جعلتم جدكم هذا على من خالفكم من غيركم لكان اصوب فسيروا إلى مضر أو إلى ربيعة فقاتلوهم وشيخهم ابو القلوص ساكت لا يتكلم . فقالوا يا ابا القلوس ما رايك
فقال قال الله جل ثناؤه ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) قوموا فقاموا فمشى بهم قيس رمحين أو ثلاثة ثم قال لهم اجلسوا فجلسوا ثم مشى بهم انفس من ذلك شيئا ثم قعد بهم ثم قال لهم قوموا ثم مشى بهم الثالثة انفس من ذلك شيئا ثم قعد بهم . فقالوا له يا ابا القلوص والله انك عندنا لاشجع العرب فما يحملك
- ص 364 -
على الذي تصنع قال ان المجرب ليس كمن لم يجرب اني اردت ان ترجع اليكم افئدتكم وان توطنوا على القتال انفسكم وكرهت ان اقحمكم على القتال وانتم على حال دهش . قالوا انت ابصر بما صنعت فلما خرجوا إلى جبانة السبيع استقبلهم
على فم السكة الاعسر الشاكرى فحمل عليه الجندعى وابو الزبير بن كريب فصرعاه ودخلا الجبانة ودخل الناس الجبانة في آثارهم وهم ينادون يا لثارات الحسين فأجابهم اصحاب ابن شميط يا لثارات الحسين فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران من
همدان فقال يا لثارات عثمان . فقال لهم رفاعة بن شداد ما لنا ولعثمان لا اقاتل مع قوم يبغون دم عثمان فقال له اناس من قومه جئت بنا واطعناك حتى إذا رأينا قومنا تأخذهم السيوف قلت انصرفوا ودعوهم فعطف عليهم وهو يقول .
انا ابن شداد على دين علي * لست لعثمان بن اروى بولي
لاصلين اليوم فيمن يصطلي * بحر نار الحرب غير مؤتلي
فقاتل حتى قتل وقتل يزيد بن عمير بن ذي مران وقتل النعمان بن صهبان الجرمى ثم الراسبى وكان ناسكا ورفاعة بن شداد بن عوسجة الفتيانى عند حمام المهبذان الذي بالسبخة وكان ناسكا وقتل الفرات بن زحر بن قيس الجعفي وارتث زحر بن
قيس وقتل عبدالرحمن بن سعيد بن قيس وقتل عمر بن مخنف وقاتل عبدالرحمن بن مخنف حتى ارتث وحملته الرجال على أيديها وما يشعر وقاتل حوله رجال من الازد فقال حميد بن مسلم .
لا ضربن عن أبي حكيم * مفارق الا عبد والصميم
- ص 365 -
وقال سراقة بن مرداس البارقى
يا نفس الا تصبري تلبمى * لا تتولى عن أبي حكيم
واستخرج من دور الوادعيين خمسمائة أسير فأتى بهم المختار مكتفين فأخذ رجل من بني نهد وهو من رؤساء أصحاب المختار يقال له عبدالله بن شريك لا يخلو بعربي الاخلى سبيله فرفع ذلك المختار درهم مولى لبنى نهد فقال له المختار
اعرضوهم على وانظروا كل من شهد منهم قتل الحسين فأعلموني به فاخذوا لا يمر عليه برجل قد شهد قتل الحسين الا قيل له هذا ممن شهد قتله فيقدمه فيضرب عنقه حتى قتل منهم قبل أن يخرج مائتين وثمانية وأربعين قتيلا أخذ اصحابه كلما رأوا
رجلا قد كان يؤذيهم أو يماريهم أو يضربهم خلوا به فقتلوه حتى قتل ناس كثير منهم وما يشعر بهم المختار . فأخبر بذلك المختار بعد فدعى بمن بقى من الاسارى فاعتقهم و أخذ عليهم المواثيق أن لا يجامعوا عليه عدوا ولا يبغوه ولا اصحابه
غائلة الاسراقة بن مرداس البارقى فانه امر به أن يساق معه إلى المسجد قال ونادى منادى المختار انه من أغلق بابه فهو آمن الا رجلا شرك في دم آل محمد صلى الله عليه وسلم .
( قال أبو مخنف ) حدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبى ان يزيد بن الحارث بن يزيد بن رؤيم وحجار بن أبجربعثا رسلا لهما فقالا لهم كونوا من أهل اليمن قريبا فان رأيتموهم قد ظهروا فأيكم سبق الينا فليقل صرفان وان كانوا هزموا فليقل جمزان فلما هزم أهل اليمن اتتهم رسلهم فقال لهم اول من انتهى إليهم جمزان .
- ص 366 -
فقام الرجلان فقالا لقومهما انصرفوا إلى بيوتكم فانصرفوا و خرج عمرو بن الحجاج الزبيدي وكان ممن شهد قتل الحسين فركب راحلة ثم ذهب عليها فاخذ طريق شراف وواقصة فلم ير حتى الساعة ولا يدرى ارض بخسة ام سماء حصبة واما
فرات بن زحر بن قيس فانه لما قتل بعثت عائشة بنت خليفة بن عبدالله الجعفية وكانت امرأة الحسين بن علي إلى المختار تسأله ان ياذن لها ان توارى جسده ففعل فدفنته وبعث المختار غلاما له يدعى زربيا في طلب شمر بن ذي الجوشن
( قال أبو مخنف ) فحدثني يونس بن أبي اسحاق عن مسلم بن عبدالله الضبابى قال تبعنا زربى غلام المختار فلحقنا وقد خرجنا من الكوفة على خيول لنا ضمر فأقبل يتمطر به فرسه فلما دنا منا قال لنا شمراركضوا وتباعدوا عنى لعل العبد يطمع
في قال فركضنا فامعنا وطمع العبد في شمر وأخذ شمر ما يستطرد له حتى إذا انقطع من أصحابه حمل عليه شمر فدق ظهره وأتى المختار فأخبر بذلك فقال بؤسا لزربى أما لو يستشيرنى ما امرته أن يخرج لابي السابغة .
( قال أبو مخنف ) حدثني أبو محمد الهمداني عن مسلم بن عبدالله الضبابى قال لما خرج شمر بن ذي الجوشن وأنا معه حين هزمنا المختار وقتل أهل اليمن بجبانة السبيع ووجه غلاما زربيا في طلب شمروكان من قتل شمراياه ما كان مضى شمر
حتى ينزل ساتيد ما ثم مضى حتى ينزل إلى جانب قرية يقال لها الكلتانية على شاطئ نهر إلى جانب تل ثم أرسل إلى تلك القرية فأخذ منها علجا فضربه . ثم قال النجاء بكتابي هذا إلى المصعب بن الزبير وكتب عنوانه
- ص 367 -
للامير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن قال فمضى العلج حتى يدخل قرية فيها بيوتا وفيها أبو عمرة وقد كان المختار بعثه في تلك الايام إلى تلك القرية ليكون مسلحة فيما بينه وبين اهل البصرة فلقى ذلك العلج علجا من تلك القرية
فأقبل يشكو إليه ما لقى من شمر فانه لقائم معه يكلمه إذ مر به رجل من أصحاب أبي عمرة فرأى الكتاب مع العلج وعنوانه لمصعب من شمر فسألوا العلج عن مكانه الذي هو به فاخبرهم فإذا ليس بينهم وبينه الا ثلاثة فراسخ قال فاقبلوا ايسيرون إليه
( قال أبو مخنف ) فحدثني مسلم ابن عبدالله قال وأنا والله مع شمر تلك الليلة فقلنا لو أنك ارتحلت بنا من هذا المكان فانا نتخوف به فقال أوكل هذا فرقا من الكذاب والله لا أتحول منه ثلاثة أيام ملاء الله قلوبكم رعبا قال وكان بذلك المكان الذي كنا
فيه دبى كثير فوالله أني لبين اليقظان والنائم إذ سمعت وقع حوافر الخيل فقلت في نفسي هذا صوت الدبى ثم انى سمعته اشد من ذلك فانتبهت ومسحت عينى وقلت لا والله ما هذا بالدبى قال وذهبت لاقوم فإذا أنا بهم قد أشرفوا علينا من التل فكبروا ثم
أحاطوا بابياتنا وخرجنا نشتد على ارجلنا وتركنا خيلنا . قال فأمر على شمروانه لمتزر ببرد محقق وكان أبرص فكانى أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد فانه ليطاعنهم بالمرح قد أعجلوه أن يلبس سلاحه وثيابه فمضينا وتركناه قال فما هو ألا أن امعنت ساعة إذ سمعت الله اكبر قتل الله الخبيث .
( قال أبو مخنف ) حدثني المشرقي عن عبدالرحمن بن عبيد ابي الكنود قال انا والله صاحب الكتاب الذي رايته مع العلج واتيت به ابا عمرة وأنا قتلت شمرا قال قلت هل سمعته يقول شيئا ليلتئذ قال نعم خرج علينا
- ص 368 -
فطاعننا برمحه ساعة ثم القى رمحه ثم دخل بيته فاخذ سيفه ثم خرج علينا وهو يقول .
نبهتم ليث عرين باسلا * حهما محياه يدق الكاهلا
لم يريوما عن عدونا كلا * الا كذا مقاتلا أو قاتلا
يبرحهم ضربا ويروى العاملا
( قال أبو مخنف ) عن يونس بن ابي اسحاق ولما خرج المختار من جبانة السبيع واقبل إلى القصر أخذ سراقة بن مرداس يناديه بأعلى صوته . امنن على اليوم يا خير معد * وخير من حل بشحر والجند وخير من حيى ولبى وسجد فبعث به المختار إلى السجن فحبسه ليلة ثم أرسل إليه من الغد فأخرجه فدعا سراقة فأقبل إلى المختار وهو يقول .
الا ابلغ ابا اسحاق انا * نزونا نزوة كانت علينا
خرجنا لا نرى الضعفاء شيئا * وكان خروجنا بطراوحينا
نراهم في مصافهم قليلا * وهم مثل الدبى حين التقينا
يرزنا إذ رأيناهم فلما * رأينا القوم قد برزوا الينا
لقينا منهم ضربا طلحفا * وطعنا صائبا حتى انشنينا
نصرت على عدوك كل يوم * بكل كتيبة تنعى حسينا
كنصر محمد في يوم بدر * ويوم الشعب إذ لاقى حنينا
فاسجح إذ ملكت فلو ملكنا * لجرنا في الحكومة واعتدينا
تقبل توبة منى فانى * سأشكران جعلت النقد دينا
- ص 369 -
قال فلما انتهى إلى المختار قال له اصلحك الله ايها الامير سراقة بن مرداس يحلف بالله - الذي لا اله الا هو لقد رأى الملائكة تقاتل على الخيول البلق بين السماء والارض فقال له المختار فاصعد المنبر فأعلم ذلك المسلمين فصعد فاخبرهم بذلك
ثم نزل فخلا به المختار فقال اني قد علمت انك لم تر الملائكة وانما اردت ما قد عرفت ان لا اقتلك فاذهب عنى حيث احببت لا تفسد على اصحابي .
( قال أبو مخنف ) فحدثني الحجاج بن علي البارقى عن سراقة بن مرداس قال ما كنت في ايمان حلفت بها قط اشد اجتهادا ولا مبالغة في الكذب مني في ايمانى هذه التي حلفت لهم بها . اني قد رايت الملائكة معهم تقاتل فخلوا سبيله فهرب فلحق
بعبد الرحمن بن مخنف عند المصعب بن الزبير بالبصرة وخرج اشراف اهل الكوفة والوجوه فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة وخرج سراقة بن مرداس من الكوفة وهو يقول .
الا ابلغ ابا اسحاق اني * رايت البلغ دهما مصمتات
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا * على قتالكم حتى الممات
ارى عينى ما لم تبصراه * كلانا عالم بالترهات
إذا قالوا اقول لهم كذبتم * وان خرجوا لبست لهم اداتي
حدثني ابو السائب مسلم بن جنادة قال حدثنا محمد بن براد من ولد ابي موسى الاشعري عن شيخ قال لما اسر سراقة البارقى قال وانتم اسرتموني ما اسرني الا قوم على دواب بلق عليهم ثياب بيض قال فقال المختار اولئك الملائكة فأطلقه فقال .
- ص 370 -
الا ابلغ ابا اسحاق اني * رأيت البلق دهما مصمتات
ارى عينى ما لم يراياه * كلانا عام بالترهات
( قال أبو مخنف ) حدثني عمير بن زياد ان عبدالرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني قال يوم جبانة السبيع ويحكم من هؤلاء الذين اتونا من ورائنا قيل له شبام فقال يا عجبا يقاتلني بقومي من لا قوم له
( قال أبو مخنف ) وحدثني ابو روق ان شرحبيل بن ذي بقلان من الناعطين قتل يومئذ وكان من بيوتات همدان فقال يومئذ قبل ان يقتل يا لها قتلة ما اضل مقتولها قتال مع غير امام وقتال على غير نية وتعجيل فراق الاحبة ولو قتلناهم إذا لم نسلم منهم
انا لله وانا إليه راجعون اما والله ما خرجت الا مواسيا لقومي بنفسي مخافة أن يضطهدوا وايم الله ما نجوت من ذلك ولا انجواولا اغنيت عنهم ولا اغنوا قال ويرميه رجل من الفائشيين من همدان يقال له احمر بن هديج بسهم فيقتله قال واختصم
في عبدالرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني نفر ثلاثة سعر بن ابي سعر الحنفي وابو الزبير الشبامى ورجل آخر . فقال سعر طعنته طعنة وقال ابو الزبير لكن ضربته انا عشر ضربات أو اكثر وقال لي ابنه يا ابا الزبير اتقتل عبدالرحمن بن سعد سيد
قومك فقلت لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو ابنائهم أو اخوانهم أو عشيرتهم فقال المختار كلكم محسن وانجلت الوقعة عن سبعمائة وثمانين قتيلا من قومه .
( قال أبو مخنف ) حدثني النضر بن صالح ان القتل إذ ذاك كان استحر في اهل اليمن وان مضر اصيب منهم بالكناسة بضعة عشر
- ص 371 -
رجلا ثم مضوا حتى مروا بربيعة فرجع حجار بن ابجر ويزيد بن الحارث بن رؤيم وشداد بن المنذر اخو حصين وعكرمة بن ربعى فانصرف جميع هؤلاء إلى رحالهم وعطف عليهم عكرمة فقاتلهم قتالا شديدا ثم انصرف عنهم وقد خرج فجاء حتى
دخل منزله فقيل له قد مرت خيل في ناحية الحى فخرج فأراد ان يثب من حائط داره إلى دار اخرى إلى جانبه فلم يستطع حتى حمله غلام له وكانت وقعة جبانة السبيع يوم الاربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة سنة 66 قال وخرج اشراف الناس
فلحقوا بالبصرة وتجرد المختار لقتلة الحسين فقال ما من ديننا ترك قوم قتلوا الحسين يمشون احياء في الدنيا آمنين بئس ناصر آل محمد انا إذا الكذاب كما سموني فانى بالله استعين عليهم الحمد لله الذي جعلني سيفا ضربهم به ورمحا طعنهم به وطالب
وترهم والقائم بحقهم انه كان حقا على الله ان يقتل من قتلهم وأن يذل من جهل حقهم فسموهم لى ثم اتبعوهم حتى تفنوهم .
قول المختار لجيشه وأصحابه : اطلبوا لي قتلة الحسين ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 371 : -
( قال أبو مخنف ) فحدثني موسى بن عامر ان المختار قال لهم اطلبوا لي قتلة الحسين فانه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى اطهر الارض منهم وانفى المصر منهم .
( قال أبو مخنف ) وحدثني مالك بن أعين الجهنى ان عبدالله بن دباس وهو الذي قتل محمد بن عمار بن ياسر الذي قال الشاعر . قتيل ابن دباس اصاب قذاله هو الذي دل المختار على نفر ممن قتل الحسين منهم عبدالله بن اسيد بن النزال الجهنى من حرقة ومالك بن النسير البدى وحمل بن
.
- ص 372 -
مالك المحاربي فبعث إليهم المختار ابا نمر مالك بن عمر والنهدى وكان من رؤساء اصحاب المختار فأتاهم وهم بالقادسية فاخذهم فاقبل بهم حتى ادخلهم عليه عشاء فقال لهم المختار يا اعداء الله واعداء كتاب واعداء رسوله وآل رسوله أين الحسين
ابن علي أدوا إلى الحسين قتلتم من امرتم بالصلاة عليه في الصلاة فقالوا رحمك الله بعثنا ونحن كارهون فامنن علينا واسنبقنا قال المختار فهلا مننتم على الحسين بن بنت نبيكم واستبقيتموه وسفيتموه ثم قال المختار للبدى أنت صاحب برنسه فقال له
عبدالله ابن كامل نعم هو هو فقال المختار اقطعو ايدى هذا ورجليه ودعوه فليضطرب حتى يموت ففعل ذلك به وترك فلم يزل ينزف الدم حتى مات وامر بالاخرين فقد ما فقتل عبدالله بن كامل عبدالله الجهنى وقتل سعر بن ابي سعر حمل بن مالك المحاربي .
( قال أبو مخنف ) وحدثني ابو الصلت التيمى قال حدثني أبو سعيد الصيقل ان المختار دل على رجال من قتلة الحسين دله عليهم سعر الحنفي قال فبعث المختار عبدالله بن كامل فخرجنا معه حتى مر ببني ضبيعة فأخذ منهم رجلا يقال له زياد بن
مالك قال ثم مضى إلى عنزة فاخذ منهم رجلا يقال له عمران بن خالد قال ثم بعثني في رجال معه يقال لهم الدبابة إلى دار في الحمراء فيها عبدالرحمن بن أبي خشكارة البجلى وعبد الله بن قيس الخولاني فجئنا بهم حتى ادخلناهم عليه فقال لهم
يا قتلة الصالحين وقتلة سيد شباب اهل الجنة الا ترون الله قد اقاد منكم اليوم لقد جاءكم الورس بيوم نحس وكانوا قد اصابوا من الورس الذي كان مع الحسين اخرجوهم إلى السوق فضربوا رقابهم ففعل ذلك بهم فهؤلاء اربعة نفر .
- ص 373 -
( قال أبو مخنف ) وحدثني سليمان بن ابي راشد عن حميد ابن مسلم قال جاءنا السائب بن مالك الاشعري في خيل المختار فخرجت نحو عبدالقيس وخرج عبدالله وعبد الرحمن ابنا صلخب في اثرى وشغلوا بالاحتباس عليهما عنى فنجوت واخذوهما
ثم مضوا بهما حتى مروا على منزل رجل يقال له عبدالله بن وهب ابن عمرو ابن عم أعشى همدان من بني عبد فاخذوه فانتهوا بهم إلى المختار فأمر بهم فقتلوا في السوق فهؤلاء ثلاثة فقال حميد بن مسلم في ذلك حيث نجا منهم الم ترنى على دهش * نجوت ولم أكد أنجو رجاء الله أنقذني * ولم أك غيره أرجو
( قال أبو مخنف ) حدثني موسى بن عامر العدوى من جهينة وقد عرف ذلك الحديث شهم بن عبدالرحمن الجهنى قال بعث المختار عبدالله بن كامل إلى عثمان بن خالد بن اسير الدهمانى من جهينة والى ابي اسماء بشر بن سوط القابضى وكانا ممن
شهدا قتل الحسين وكانا اشتركا في دم عبدالرحمن بن عقيل بن ابي طالب وفي سلبه فأحاط عبدالله بن كامل عند العصر بمسجد بني دهمان ثم قال على مثل خطايا بني دهمان منذ يوم خلقوا إلى يوم يبعثون ان لم اوت بعثمان بن خالد بن اسير ان
لم اضرب اعناقكم من عند آخركم فقلنا له امهلنا نطلبه فخرجوا مع الخيل في طلبه فوجد وهما جالسين في الجبانة وكانا يريد ان يخرجا إلى الجزيرة فاتى بهما عبدالله بن كامل فقال الحمد لله الذي كفى المؤمنين القتال لو لم يجدوا هذا مع هذا عنانا إلى منزله في طلبه
- ص 374 -
فالحمد لله الذي حينك حتى امكن منك فخرج بهما حتى إذا كان في موضع بئرالجعد ضرب اعناقهما ثم رجع فاخبر المختار خبرهما فأمره ان يرجع اليهما فيحرقهما بالنار وقال لا يدفنان حتى يحرقا فهذان رجلان فقال اعشى همدان يرثى عثمان الجهنى .
يا عين بكى فتى الفتيان عثمانا * لا يبعدون الفتى من آل دهمانا
واذكر فتى ماجدا حلوا شمائله * ما مثله فارس في آل همدانا
قال موسى بن عامر وبعث معاذ بن هاني بن عدى الكندى بن أخي حجر وبعث أبا عمرة صاحب حرسه فساروا حتى أحاطوا بدار خولى بن يزيد الاصبحي وهو صاحب رأس الحسين الذي جاء به فاختبى في مخرجه فأمر معاذ أبا عمرة أن يطلبه في
الدار فخرجت امرأته إليهم فقالوا لها أين زوجك فقالت لا ادرى أين هو واشارت بيدها إلى المخرج فدخلوا فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة فأخرجوه وكان المختار يسير بالكوفة ثم انه أقبل في اثر اصحابه . وقد بعث ابو عمرة إليه رسولا
فاستقبل المختار الرسول عند دار أبي بلال ومعه ابن كامل فأخبره الخبر فأقبل المختار نحوهم فاستقبل به فردده حتى قتله إلى جانب أهله ثم دعابنار فحرقه ثم لم يبرح حتى عاد رمادا ثم انصرف عنه وكانت امرأته من حضرموت يقال لها العيوف
بنت مالك بن نهار بن عقرب وكانت نصبت له العداوة حين جاء برأس الحسين
( قال أبو مخنف ) وحدثني موسى بن عامر ابو الاشعر أن المختار قال ذات يوم وهو يحدث جلساءه لاقتلن غدا رجلا عظيم القدمين غائر العينين مشرف الحاجبين يسر مقتله المؤمنين والملائكة المقربين قال
- ص 375 -
وكان الهيثم بن الاسود النخعي عند المختار حين سمع هذه المقالة فوقع في نفسه ان الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاص . فلما رجع إلى منزله دعا ابنه العريان فقال الق ابن سعد الليلة فخبره بكذا وكذا وقل له خذ حذرك فانه لا يريد غيرك قال
فأتاه فاستخلاه ثم حدثه الحديث فقال له عمر بن سعد جزى الله أباك والاخاء خيرا كيف يريد هذا بى بعد الذي اعطاني من العهود والمواثيق وكان المختار أول ما ظهر أحسن شئ سيرة وتالفا للناس وكان عبدالله بن جعدة بن هبيرة اكرم خلق الله
على المختار لقرابته بعلى فكلم عمر بن سعد عبدالله بن جعدة وقال له اني لا آمن هذا الرجل يعني المختار فخذلى منه أمانا ففعل قال فانا رأيت أمانه وقرأته . بسم الله الرحمن الرحيم هذا امان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص
انك آمن بامان الله على نفسك ومالك واهلك و اهل بيتك وولدك لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما ما سمعت وأطعت و لزمت رحلك وأهلك ومصرك فمن لقى عمر بن سعد من شرطة الله وشيعة آل محمد ومن غيرهم من الناس فلا يعرض له الا بخبر
شهد السائب بن مالك وأحمر بن شميط وعبد الله بن شداد وعبد الله بن كامل وجعل المختار على نفسه عهد الله ومياقه ليفين لعمر بن سعد بما اعطاه من الامان الا ان يحدث حدثا وأشهد الله على نفسه وكفى بالله شهيدا . قال فكان أبو جعفر محمد بن
على يقول أما امان المختار لعمر بن سعد الا أن يحدث حدثا فانه كان يريد به إذ ادخل الخلاء فأحدث قال فلما جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمامه ثم قال في نفسه
- ص 376 -
أنزل دارى فرجع فعير الروحاء ثم أتى داره غدوة وقد اتى حمامه فأخبر مولى له بما كان من أمانه وبما اريد به فقال له مولاه واى حدث أعظم بما صنعت أنك تركت رحلك واهلك واقبلت إلى ههنا ارجع إلى رحلك لا تجعلن للرجل عليك سبيلا
فرجع إلى منزله وأتى المختار بانطلاقه فقال كلا ان في عنقه سلسلة سترده لو جهد أن ينطلق ما استطاع قال واصبح المختار فبعث إليه ابا عمرة وأمره ان يأتيه به فجاءه حتى دخل عليه فقال اجب الامير فقام عمر فعثر في جبة له ويضربه
ابو عمرة بسيفه فقتله وجاء برأسه في اسفل قبائه حتى وضعه بين يدى المختار . فقال المختار لابنه حفص بن عمر بن سعد وهو جالس عنده اتعرف هذا الرجل فاسترجع وقال نعم ولاخير في العيش بعده قال له المختار صدقت فانك لا تعيش بعده
فامر به فقتل وإذا رأسه مع راس ابيه ثم ان المختار قال هذا بحسين وهذا بعلي بن حسين ولا سواء والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من انامله فقالت حميدة بنت عمر بن سعد تبكي اباها .
لو كان غير اخى قسى غره * أو غير ذي يمن وغير الاعجم
سخى بنفسى ذاك شيئا فاعلموا * عنه وما البطريق مثل الالام
اعطى ابن سعد في الصحيفة وابنه * عهدا يلين له جناح الارقم
فلما قتل المختار عمر بن سعد وابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران الناعطى وظبيان بن عمارة التيمى حتى قدما بهما على محمد بن الحنفية وكتب إلى ابن الحنفية في ذلك بكتاب .
قتل المختار عمر بن سعد وابنه ... - مقتل الحسين ( ع ) - أبو مخنف الازدي ص 377 : -
( قال أبو مخنف ) وحدثني موسى بن عامر قال انما كان هيج المختار على قتل عمر بن سعد ان يزيد بن شراحيل الانصاري اتى محمد بن الحنفية فسلم عليه فخري الحديث إلى أن تذاكرو المختار وخروجه وما يدعو إليه من الطلب بدماء أهل البيت
فقال محمد بن الحنفية على اهون رسله يزعم انه لنا شيعة وقتلة الحسين جلسوه على الكراسي يحدثونه قال فوعاها الآخر منه فلما قدم الكوفة اتاه فسلم عليه فسأله المختار هل لقيت المهدي فقال له نعم فقال ما قال لك وماذاكرك قال فخبره الخبر قال فما
لبث المختار عمر بن سعد وابنه ان قتلهما ثم بعث برؤسهما إلى ابن الحنفية مع الرسولين اللذين سمينا وكتب معهما إلى ابن الحنفية . بسم الله الرحمن الرحيم للمهدى محمد بن علي من المختار بن أبي عبيد سلام عليك يا أيها المهدي فأني أحمد اليك
الله الذي لا اله الا هو اما بعد فان الله بعثني نقمة على أعدائكم فهم بين قتيل وأسير وطريد وشريد فالحمد لله الذي قتل قاتليكم وقصر مؤارزيكم . وقد بعثت اليك برأس عمر بن سعد وابنه وقد قتلنا من شرك في دم الحسين وأهل بيته رحمة الله عليهم كل
من قدرنا عليه ولن يعجز الله من بقى ولست بمنجم عنهم حتى لا يبلغني أن على اديم الارض منهم ارميا فاكتب إلى أيها المهدي برأيك أتبعه وأكون عليه والسلام عليك ايها المهدي ورحمة الله بركاته ثم ان المختار بعث عبدالله بن كامل إلى حكيم بن
طفيل الطائي السنبسى وقد كان اصاب صلب العباس ابن على ورمى حسينا بسهم فكان يقول تعلق سهمي بسرباله وما ضره فأتاه عبدالله بن كامل فأخذه ثم اقبل به وذهب اهله فاستغاثوا بعدي بن حاتم فلحقهم في الطريق فكلم عبدالله بن كامل فيه فقال ما
إلى من أمره شئ انما ذلك إلى الامير المختار قال فاني آتيه قال فأته راشد افمضى عدى نحو المختار وكان المختار قد شفعه
- ص 378 -
في نفر من قومه أصابهم يوم جبانة السبيع لم يكونوا نطقوا بشئ من امر الحسين ولا اهل بيته . فقالت الشيعة لابن كامل انا نخاف ان يشفع الامير عدى بن حاتم في هذا الخبيث وله من الذنب ما قد علمت فدعنا نقتله قال شأنكم به فلما انتهوا به إلى
دار العنز بين وهو مكتوف نصبوه غرضا ثم قالوا له سلبت ابن علي ثيابه والله لنسلبن ثيابك وانت حي تنظر فنزعوا ثيابه ثم قالوا له رميت حسينا واتخذته غرضا لنبلك وقلت تعلق سهمي بسرباله ولم يضره وايم الله لنرمينك كما رميته بنبال ما تعلق بك منها اجزاك قال فرموه رشقا واحدا فوقعت به منهم نبال كثيرة فخر ميتا .
( قال أبو مخنف ) فحدثني ابو الجارود عمن رآه قتيلا كأنه قنفذ لما فيه من كثرة النبل ودخل عدى بن حاتم على المختار فأجلسه معه على مجلسه فأخبره عدى عما جاء له فقال له المختار اتستحل يا ابا طريف أن تطلب في قتلة الحسين قال انه
مكذوب عليه اصلحك الله قال إذا ندعه لك قال فلم يكن بأسرع من أن دخل ابن كامل . فقال له المختار ما فعل الرجل قال قتلته الشيعة قال له وما اعجلك إلى قتله قبل ان تأتيني به وهو لا يسره انه لم يقتله وهذا عدي قد جاء فيه وهو اهل ان يشفع
ويؤتى ما سره قال غلبتني والله الشيعة قال له عدي كذبت يا عدو الله ولكن ظننت ان من هو خير منك سيشفعنى فيه فبادرتني فقتلته ولم يكن خطر يدفعك عما صنعت . قال فاسحنفر إليه ابن كامل بالشتيمة فوضع المختار اصبعه على فيه يأمر ابن كامل بالسكوت والكف عن عدي فقام عدي راضيا عن المختار
- ص 379 -
ساخطا على ابن كامل يشكوه عند من لقى من قومه وبعث المختار إلى قاتل علي ابن الحسين عبدالله بن كامل وهو رجل من عبدالقيس يقال له مرة بن منقذ بن النعمان العبدى وكان شجاعا فأتاه ابن كامل فأحاط بداره فخرج إليهم وبيده الرمح وهو على
فرس جواد فطعن عبيدالله بن ناجية الشبامى فصرعه . ولم يضره قال ويضربه ابن كامل بالسيف فيتقيه بيده اليسرى فاسرع فيها السيف وتمطرت به الفرس فافلت ولحق بمصعب وشلت يده بعد ذلك قال وبعث المختار ايضا عبدالله الشاكري إلى رجل
من جنب يقال له زيد بن رقاد كان يقول لقد رميت فتى منهم بسهم وانه لواضع كفه على جبهته يتقى النبل فاثبت كفه في جبهته فما استطاع ان يزيل كفه عن جبهته
( قال أبو مخنف ) فحدثني ابو عبد الاعلى الزبيدى ان ذلك الفتى عبدالله بن مسلم بن عقيل وانه قال حيث اثبت كفه في جبهته اللهم انهم استقلونا واستذلونا اللهم فاقتلهم كما قتلونا اذلهم كما استذلونا ثم انه رمى الغلام بسهم آخر فقتله فكان يقول جئته ميتا
فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه فلم ازل انضنض السهم من جبهته حتى نزعته وبقى النصل في جبهته مثبتا ما قدرت على نزعه قال فلما اتى ابن كامل داره احاط بها واقتحم الرجال عليه فخرج مصلتا بسيفه وكان شجاعا . فقال ابن كامل لا
تضربوه بسيف ولا تطعنوه برمح ولكن ارموه بالنبل وارجموه بالحجارة ففعلوا ذلك به فسقط فقال ابن كامل ان كان به رمق فأخرجوه فأخرجوه وبه رمق فدعا بنار فحرقه بها وهو حى لم تخرج روحه وطلب المختار سنان ابن انس الذي كان يدعى قتل
- ص 380 -
الحسين فوجده قد هرب إلى البصرة فهدم داره وطلب المختار عبدالله بن عقبة الغنوى فوجده قد هرب ولحق بالجزيرة فهدم داره وكان ذلك الغنوى قد قتل منهم غلاما وقتل رجل آخر من بني اسد يقال له حرملة بن كاهل رجلا من آل الحسين ففيهما
يقول ابن أبي عقب الليثى . وعند غنى قطرة من دمائنا * وفي اسد اخرى تعد وتذكر وطلب رجلا من خثعم يقال له عبدالله بن عروة الخثعمي كان يقول رميت فيهم باثنى عشر سهما ضيعة ففاته ولحق بمصعب فهدم داره وطلب رجلا من صداء يقال له
عمرو بن صبيح وكان يقول لقد طعنت بعضهم وجرحت فيهم وما قتلت منهم احدا فأتى ليلا وهو على سطحه وهو لا يشعر بعد ما هدأت العيون وسيفه تحت رأسه فأخذوه أخذا وأخذوا سيفه فقال قبحك الله سيفا ما اقربك وأبعدك فجئ به إلى المختار
فحبسه معه في القصر . فلما ان اصبح أذن لاصحابه وقيل ليدخل من شاء أن يدخل ودخل الناس وجئ به مقيدا فقال أما والله يا معشر الكفرة الفجرة أن لو بيدى سيفى لعلمتم اني بنصل السيف غير رعش ولا رعديد ما يسرني إذ كانت منيتي قتلا انه
قتلني من الخلق احد غيركم لقد علمت أنكم شرار خلق الله غير اني وددت أن بيدى سيفا أضرب به فيكم ساعة . ثم رفع يده فلطم عين ابن كامل وهو إلى جنبه فضحك ابن كامل ثم اخذ بيده وامسكها ثم قال انه يزعم أنه قد جرح في آل محمد وطعن
فمرنا بأمرك فيه فقال المختار على بالرماح فأتى بها فقال اطعنوه حتى يموت فطعن بالرماح حتى مات .
- ص 381 -
( قال أبو مخنف ) حدثني هشام بن عبدالرحمن وابنه الحكم بن هشام ان اصحاب المختار مروا بدار بني ابي زرعة بن مسعود فرموهم من فوقها فأقبلوا حتى دخلوا الدار فقتلوا الهبياط ابن عثمان بن أبي زرعة الثقفي وعبد الرحمن بن عثمان بن
أبي زرعة الثقفي وأفلتهم عبدالمالك بن ابي زرعة بضربة في رأسه فجاء يشتد حتى دخل على المختار فأمر امراته ام ثابت ابنة سمرة بن جندب فداوت شجته . ثم دعاه فقال لا ذنب لي انكم رميتم القوم فاغضبتموهم وكان محمد بن الاشعث بن قيس
في قرية الاشعث إلى جنب القادسية فبعث المختار إليه حوشبا ساذن الكرسي في مائة فقال انطلق إليه فانك تجده لاهيا متصيدا أو قائما متلبدا أو خائفا متلددا اوذ اكامنا متغمدا فان قدرت عليه فأتني برأسه فخرج حتى اتى قصره فأحاط به وخرج منه
محمد بن الاشعث فلحق بمصعب وأقاموا على القصر وهم يرون انه فيه ثم انهم دخلوا فعلموا انه قد فاتهم فانصرفوا إلى المختار فبعث إلى داره فهدمها وبنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي الكندى وكان زياد بن سمية قد هدمها